قضية الفتيات الاميركيات الثلاث اللواتي تم العثور عليهن بعد عشر سنوات على اختطافهن في مدينة كليفلاند في ولاية اوهايو أثارت الذهول والاستغراب وطرحت أكثر من علامة استفهام حول ظروف احتجازهن في منزل يقع في حي مأهول دون أن يتنبه أحد للأمر. وتجري شرطة مدينة كليفلاند تحقيقا داخليا حول أداء عناصرها في التعامل مع القضية. وإلى الجانب الأمني، ثمة حديث عن الأبعاد النفسية المترتبة عن قضية خطف الفتيات الثلاث والظروف التي عشن فيها طوال عقد من الزمن وما ستتركه من مضاعفات عليهن.
وتتابع وسائل الاعلام الكندية تفاصيل الحدث أولا بأول وفي هذا السياق أجرى القسم الفرنسي في تلفزيون هيئة الاذاعة الكندية مقابلة مع عدد من الاختصاصيين في علم النفس أشاروا فيه إلى أنه سيكون من الصعب على الفتيات الثلاث نسيان هذه الحقبة من حياتهن التي بدأت في سن مبكرة وهن اليوم تباعا في الثالثة والعشرين والسابعة والعشرين والثانية والثلاثين من العمر. واما محتجزوهم الإخوة الثلاث كاسترو فهم في الخمسينات من عمرهم.
يقول الطبيب النفسي من مستشفى القلب الأقدس في مونتريال الدكتور جيل شامبرلان إنه يصعب بالفعل فهم هذه الحالة التي طالت كثيرا والتي تشمل ثلاث فتيات او بالأحرى ثلاث ضحايا. وما جرى في كليفلاند شبيه بما يجري داخل البدع الدينية ويتابع الدكتور شامبرلان قائلا:
عندما يشمل الأمر ثلاثة أشخاص عادة ما يكون أحدهم أكثر انحرافا من الباقين ويجرفهم في تياره. و لا نعرف بعد مدى مشاركة الثلاث في الاعتداء الذي قلما شاهدنا مثيلا له يقول شامبرلان. فالمعتدون الثلاثة خطفوا ثلاث نساء مع فارق سنة بين كل عملية خطف واحتجزوهن على مدى عشر سنوات ويصعب تصور كيفية عملهم وتنظيمهم لفعلتهم.
بدورها تتحدث رئيسة نقابة اختصاصيَي علم النفس في كيبيك السيدة روز ماري شاريه فتشير إلى أن الضحايا بالإجمال يشعرون بالصدمة عندما يرون أن المجتمع فشل في حمايتهم من هذا النوع من المعتدين. والمقلق في الأمر أن ما جرى في أحد أحياء مدينة كليفلاند يمكن أن يجري في أي مكان آخر دون أن يشعر أحد بذلك، ما يطرح السؤال حول الحياة الاجتماعية ومدى معرفتنا بما يجري حولنا في جيرتنا وفي محيطنا المباشر.
ويتساءل الاختصاصي في علم النفس هيبير فان غيزهايم كيف تمكنت الفتيات الثلاث من الاستمرار على قيد الحياة في ظل ظروف صعبة عشنها طوال عشر سنوات ويضيف شارحا:
المعروف أن ضحية الخطف التي تبقى محتجزة لفترة طويلة تنجح في البقاء على قيد الحياة بفضل ما يعرف بعارض ستوكهولم. فالضحية التي تنقطع كليا عن العالم تقيم بصورة إرادية علاقة حيوية مع الخاطف . ولكن الحالة التي نحن بصددها قد تكون مختلفة. فالضحايا كن مسجونات وموثوقات الأيدي في غرف منفصلة وتعرضن للضرب بصورة شبه متواصلة. والسؤال المحيَر هو حول كيفية استمرارهن على قيد الحياة في حال لم يقمن هذا النوع من العلاقة مع الخاطفين.
ويرى الدكتور شامبرلان أنه ما زال من المبكر معرفة ما جرى وما إذا حاولت أي من الفتيات الهروب ام انهن استسلمن للقدر. والخوف من العقاب في حال فشلت محاولة الهروب يثني في الكثير من الأحيان المخطوف عن القيام بها.
فهو يحلل الوضع من منظوره الخاص المختلف عن التحليل من الخارج ومن بعيد يقول الدكتور شامبرلان. وتوافقه السيدة روز ماري شاريه الرأي وتقول:
ما يميز الحالة النفسية للمخطوف هو عدم قدرته على التفكير لأن التفكير يحتاج إلى مساحة معينة من الحرية. لكن البقاء على قيد الحياة مرتبط بالخاطف الذي يملك قدرة الحفاظ عليها ام لا.
وإذا كنا لا نعرف بعد كيف تمكنت الفتيات من الاستمرار طوال كل هذه السنوات ، فما نعرفه بالتأكيد أنهن كن بحاجة إلى علاقة ما مع الخاطفين حتى ولو كانت تمر بالاعتداء الجنسي والجسدي والفكري عليهن.
ويتحدث الدكتور جيل شامبرلان عن مشاعر متناقضة تتنازع إحدى المخطوفات التي رزقت بطفل خلال فترة احتجازها. فهي تحب طفلها ولكنها تكره الخاطف المعتدي الذي هو والد الطفل. وهذا يزيد من حالة الاضطراب التي تعانيها أصلا.
واما بالنسبة للطفل فترى روز ماري شاريه أنه ينبغي إطلاعه على الحقيقة ولكن لا ضرورة لإعطاء كل التفاصيل. فلكل منا قصته والطفل المولود من هذه الحالة له قصته تقول روز ماري شاريه وتضيف:
الكائن البشري قوي للغاية. ويكفيه أن يكون قد مر بتجربة إيجابية. وثمة إيجابيات حتى في الحالات المأساوية وهذا ما يمنحه المرونة المطلوبة للتفاعل مع الوضع القائم.
ويؤكد الخبراء الثلاثة على أهمية المساعدة التي ستقدمها السلطات للفتيات الثلاث وأن التعامل معهن يتطلب الكثير من التأني والصبر . فعلاقتهن مع الأهل قد تطرح مشكلة لهن وللأهل على حد سواء نظرا للصعوبات التي مررن بها على مدى عشر سنوات. وربما أن مشاعر الحزن والقلق ستنتابهن أكثر من مشاعر الفرح بعودة الحرية إليهن. فالمحنة كانت قاسية وعامل الوقت قد يكون بالغ الأهمية لبلسمة الجراح.
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.