جنود نظاميون سوريون خلال سيطرتهم يوم الاثنين على بلدة دمينة الغربية على مسافة 7 كيلومترات إلى الشمال من مدينة القصير قرب الحدود اللبنانية التي تتحصن فيها قوات المعارضة

جنود نظاميون سوريون خلال سيطرتهم يوم الاثنين على بلدة دمينة الغربية على مسافة 7 كيلومترات إلى الشمال من مدينة القصير قرب الحدود اللبنانية التي تتحصن فيها قوات المعارضة
Photo Credit: جوزيف عيد / أ ف ب

من الصحافة الكندية: الخطر الحقيقي لمأزق سوريا المذهبي

نشرت صحيفة "ذي غلوب أند مايل" الواسعة الانتشار في كندا مقالة للبروفسور برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون الأميركية، بعنوان "الخطر الحقيقي لمأزق سوريا المذهبي".

يقول البروفسور هيكل إن ما بدأ في سوريا كانتفاضة ضد نظام جائر تحول إلى حرب أهلية طائفية ومؤخراً إلى نزاع بالوكالة، وإن الصراع في غضون ذلك سلك طرقاً ملتوية حفلت بأجندات متناقضة بين الحلفاء وبتوترات بين المجموعات العرقية والمذهبية.

فمن جهة، تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا والأردن والمملكة السعودية وقطر بدعم المعارضة، وهذه الأخيرة خليط من فصائل مسلحة ذات أجندات وأيديولوجيات مختلفة تتراوح بين القومية السورية والجهادية العالمية. وهذا التبعثر يعكس الانشقاقات في المجتمع السوري الناتجة عن أكثر من أربعة عقود من الحكم الاستبدادي الوحشي، يقول البروفسور هيكل.

ومن الجهة الأخرى، يتابع الكاتب، تدعم روسيا وإيران (ووكيل هذه الأخيرة، تنظيم "حزب الله" اللبناني) نظام الرئيس بشار الأسد، ولكل منهما أسبابها. دوافع روسيا متصلة بتركة الحرب الباردة. فنظام الأسد اتخذ دوماً موقفاً معادياً للغرب ومنحازاً للاتحاد السوفياتي ولروسيا من بعده. واليوم تشكل سوريا موطئ القدم الوحيد المتبقي لروسيا في العالم العربي، فيما كافة خصوم السيد الأسد الاقليميون حلفاء للولايات المتحدة.

أما التدخل الإيراني فيعكس صراعاً أقدم بكثير، هو بين السنة والشيعة للسيطرة على الشرق الأوسط، يقول البروفسور هيكل. ومع تزويد إيران الشيعية قوات بشار الأسد بالسلاح والمال والجنود والتدريب، اتخذ البعد الطائفي للنزاع مدلولاً أكبر. فالقوات الحكومية تحجمت إلى جيش طائفي يحفزه خوف من قيام المتمردين، وغالبيتهم من السنة، في حال انتصروا بالقضاء على الأقلية العلوية المنتسبة للشيعة والتي حكمت سوريا لعقود من الزمن.

وكما يبدو حالياً، لنظام الأسد تفوق عسكري ساحق، فهو يملك سلاحاًَ جوياً ودبابات وصواريخ وأسلحة كيميائية وبيولوجية. ومن أجل إلحاق الهزيمة بكل ذلك، تحتاج المعارضة لأسلحة أكثر تطوراً، وداعموها مستعدون لإسداء المعروف، يقول البروفسور برنارد هيكل. وتركيا والمملكة السعودية والأردن وقطر – وكلها دول يقودها السنة – زادت من دعمها العسكري للمتمردين السوريين بنسبة كبيرة في الأشهر الأخيرة. حتى الولايات المتحدة التي رفضت حتى الآن تزويد المعارضة السورية بسلاح قاتل مخافة وقوعه بأيدي الجهاديين العالميين، أعلنت مؤخراً أنها تعمل على خطة لإمداد قوات المعارضة بالسلاح.

ويمضي البروفسور هيكل بالقول إن التوترات بين السنة والشيعة تميل للارتفاع بحدة خلال الصراعات الجيوسياسية، كما حدث في العراق بين عامي 2006 و2008. وقبل ذلك، تضمن آخر صراع سني شيعي كبير في الشرق الأوسط حرباً شبه متواصلة بين الامبراطورية العثمانية السنية والامبراطورية الصفوية الشيعية في إيران خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. انتصر العثمانيون وقتئذ بهامش ضئيل، مؤمّنين في النهاية سيطرتهم على العراق. لكن الصراع الطويل ساهم في إضعاف الإمبراطوريتين ودمر العراق تاركاً خلفه انشقاقاً طائفياً عميقاً.

وهذا لا ينذر بالخير لسوريا، يقول البروفسور هيكل. فمنذ سبعينيات القرن الفائت فشل آل الأسد في تغذية القومية العربية لتوحيد شعب منقسم دينياً، لاجئين بدل ذلك إلى سياسات طائفية مسببة للشقاق من أجل السيطرة على الشعب السوري. وفيما ساعد تبوء العلويين المراكز الأساسية في الجيش والاستخبارات آل الأسد في إبقاء قبضتهم على البلاد، أدت هذه الاستراتيجية إلى تعميق الصدع السني الشيعي في أوساط السكان.

ولما بدأ الربيع العربي يتفتح، اعتمد بشار الأسد المقاربة نفسها، آملاً في أن تحشد مناصريه العلويين حوله وتخيف سائر الناس فتخضعهم. لكن الخطة هذه المرة أعطت عكس النتائج المرجوة، يقول برنارد هيكل. فسنة سوريا الذين ألهمتهم الثورات في دول عربية أخرى وأغضبتهم وحشية النظام، لم يعودوا، ببساطة، يخافون. وهذا تطور قادر على تغيير قواعد اللعبة للأنظمة السلطوية العربية، يقول الكاتب.

والآن أصبحت تبعات فشل الرئيس السوري في إطلاق توجه سياسي وطني مشترك مكشوفة بالكامل، يرى البروفسور هيكل. فسنة سوريا يستحضرون الدين بصورة متزايدة لتبرير الكراهية تجاه الأقلية الشيعية، وبعض أشكال الإقصائية السنية المشابهة لعقيدة تنظيم القاعدة أخذت تصبح المعايير المقبولة. وفيما ضمن بشار الأسد دعم الطائفة العلوية المجدد له، فثمن قيامه بذلك هو زيادة الخطر الفعلي جداً بأن يعاقب المتمردون جميع العلويين على جرائم النظام. وفيما الحرب الطاحنة مستمرة، تتضاءل فرص التوصل إلى حل عن طريق المفاوضات.

وبينما ترمي إيران بثقلها – وبمليارات الدولارات – خلف العلويين، وتقوم دول الخليج بما هو مشابه دعماً للسنة، تتمزق سوريا. وقريباً سيصبح من الصعب جداً على أي طرف إعلان النصر، يخلص البروفسور برنارد هيكل.

استمعوا

فئة:دولي، سياسة
كلمات مفتاحية:،

هل لاحظتم وجود خطاّ ما؟ انقر هنا!

لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.