تناول ألان دوبوك، كاتب العمود في صحيفة "لا بريس" الصادرة في مونتريال في مقالة بعنوان "مشروب مفتوح في مجلس الشيوخ" العاصفة الناجمة عن استقالة نايجل رايت، رئيس مكتب رئيس حكومة المحافظين ستيفن هاربر، على خلفية توقيعه شيكاً مسحوباً على حسابه الشخصي بقيمة 90 ألف دولار لصالح السيناتور مايك دافي من حزب المحافظين للسماح له بتسديد سريع لمبلغ طالبه مجلس الشيوخ بإعادته. ودافي هو أحد ثلاثة أعضاء في المجلس، اثنان منهم ينتميان لحزب المحافظين، حصلوا على بدلات غير مبررة لمسكن ثانوي وطالبهم المجلس بإعادتها. واستقال دافي من حزب المحافظين يوم الخميس الفائت وسط الضجة السياسية التي أثارها حصوله على الشيك المشار إليه.
ويرى دوبوك أن "الفضيحة التي تهز مجلس الشيوخ الكندي هي عديمة الأهمية"، ويشرح رأيه بالقول إن مايك دافي هو صحافي محافظ معروف جيداً في المقاطعات ذات الغالبية الناطقة بالإنكليزية في كندا، عينته الحكومة الحالية عضواً في مجلس الشيوخ وأخذ عليه أنه طالب ببدلات سكن عن فترات أمضاها في أوتاوا مدعياً أن مسكنه الأساسي في جزيرة الأمير إدوارد، فطُلب منه إعادة 90 ألف دولار لمجلس الشيوخ.
"إنها زوبعة في كأس ويسكي" مقارنة بفضيحة الإعلانات السياسية بقيمة ملايين الدولارات، يقول ألان دوبوك في إشارة إلى فضيحة الإعلانات السياسية للحزب الليبرالي، أو مقارنة بمئات ملايين الدولارات التي تحملها دافعو الضرائب في كيبيك ثمناً للفساد والرشاوى في مجال الأشغال العامة في البلديات.
ولكن إذا كانت هذه القصة تهز رئيس الحكومة "فالسبب هو أنها تضرب في المكان الذي يوجع"، يقول ألان دوبوك، وأكثر المغتاظين منها هم تحديداً أولئك الذين يشكلون القاعدة السياسية لحكومة المحافظين. فحزب المحافظين الذي يقوده ستيفن هاربر، وسلفه، حزب الإصلاح (ريفورم بارتي)، ينتميان إلى تقليد شعبوي أحد شعاراته الكبيرة هو "النزاهة". وإذا كان هناك من شيء يمقته هذا التيار الشعبوي، فهو النفقات الفخمة والامتيازات المتصلة بالسلطة. وبالتالي "ضربت هذه القصة وتراً حساساً جداً"، يقول ألان دوبوك.
كما أن هذه "الفضيحة الصغيرة" تضرب وتراً حساساً آخر لهذه القاعدة المحافظة نفسها، وهو إصلاح مجلس الشيوخ. فانتخاب أعضاء المجلس بدل تعيينهم وإدخال توازن على تمثيل مختلف المناطق الكندية داخل المجلس ومنح المجلس صلاحيات إضافية تشكل كلها المطلب الدستوري الكبير لمقاطعات الغرب الكندي. وأحداث الأيام الأخيرة جاءت لتذكر أن حكومة المحافظين لم تكتفِ بعدم إصلاح مجلس الشيوخ بل ساهمت في إضعافه إلى درجة جعله مورد رزق ذا راتب جيد لعمل سهل يستفيد منه أصدقاء النظام. خاصة وأن قضية دافي ليست وحيدة، إذ يبدو وكأن هناك وباءً منتشراً في أوساط أعضاء مجلس الشيوخ الذين عينهم حزب المحافظين: الصحافية السابقة باميلا والين التي طُلب منها إعطاء تفسير لنفقات تنقل بقيمة 321 ألف دولار استقالت مؤخراً من حزب المحافظين، وانحرافات باتريك برازو وعدم احترام زميله بيار هوغ بوافونو قواعد الأخلاق المهنية لما قام بتوظيف شريكة حياته لحسابه. كل ذلك يثير تساؤلات عديدة حول حكمة التعيينات التي قام بها المحافظون والنقص الواضح في وضع الأطر اللازمة للأعضاء الجدد، يقول ألان دوبوك في "لا بريس".
ولم تكن هذه القصة لتحدث الضجة التي نشهدها لو لم يقرر نايجل رايت، رئيس مكتب رئيس الحكومة، إخراج السيناتور مايك دافي من ورطته بإعطائه شيكاً شخصياً بقيمة 90 ألف دولار كي يسدد المبلغ الذي طالبه مجلس الشيوخ بإعادته. "هل كان بإمكانه اتخاذ قرار من هذا النوع، مثقل بالعواقب، دون أن يطلع رئيس الحكومة عليه؟" يتساءل ألان دوبوك، مضيفاً أنه كما هي العادة في أوقات الأزمات، تشبثت الحكومة بأرضها ودافع رئيسها ستيفن هاربر عما لا يمكن الدفاع عنه إلى أن قبل في النهاية استقالة رئيس مكتبه، نايجل رايت.
ويرى كاتب المقال أن خطوة نايجل رايت مدانة. ويشرح رأيه بالقول إنه لما يقوم أحد أعضاء مجلس الشيوخ بأعمال مشكوك بنزاهتها ثم يقوم مكتب رئيس الحكومة بسحبه من دائرة الانتقاد من خلال طريقة تدخله في القضية، فهذا بمثابة عفو عن السيناتور المذنب وضمانة معنوية له.
وهكذا نجد أنفسنا، بشكل ما، أمام عاصفة كاملة، يقول ألان دوبوك. فحتى الآن كان بالإمكان تسجيل مآخذ عدة على هذه الحكومة، كالتسلط وقلة الشفافية وعدم احترام المؤسسات الديمقراطية، ولكن هذه كلها لم تكن تستنفر سوى المتخصصين في الشأن السياسي وخصوم المحافظين، دون أن تغضب فعلاً المواطن العادي. لكن هذه المرة نجحت حكومة ستيفن هاربر في إغضابهم جميعاً لتجد نفسها بين نارين. ولأول مرة يبدو أن طبقة التيفلون الأسطورية التي تحمي رئيس الحكومة فقدت خصائصها، يختم ألان دوبوك في "لا بريس".
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.