حريق أشعله متظاهرون ضد الفساد وارتفاع الأسعار في بيلو هوريزونتي في جنوب شرق البرازيل السبت الفائت

حريق أشعله متظاهرون ضد الفساد وارتفاع الأسعار في بيلو هوريزونتي في جنوب شرق البرازيل السبت الفائت
Photo Credit: AFP / يوري كورتيز / أ ف ب

من الصحافة الكندية: “رخاء نسبي، ثم الثورة”

كتب جيفري سيمسون في صحيفة "ذي غلوب أند مايل" الواسعة الانتشار في كندا مقالاً بعنوان "رخاء نسبي، ثم الثورة". فقال إنه لو كان الفيلسوف السياسي والمؤرخ الفرنسي ألكسي دي توكفيل (1805- 1859) يعيش في زمننا اليوم لاعتقد أنه فهم التظاهرات الضخمة في تركيا والبرازيل، فهو كان المراقب والمفكر الذي ابتدع فكرة "ثورة التوقعات المتزايدة".

ففي مطلع القرن التاسع عشر لاحظ دي توكفيل أن بعض المناطق الفرنسية التي كانت الظروف الاقتصادية فيها تشهد تحسناً، كانت من أشد معاقل الحمية الثورية. وإن لم يكن للرخاء من دور، كان يبدو على الأقل أن نشقات الرخاء تشجع الناس على أن تحلم وتتحرك مطالبة بالمزيد منه. فالحرمان النسبي ينتج التمرد أكثر مما ينتجه الحرمان الكامل.

يعترض الكثيرون اليوم على نظرية دي توكفيل، يقول سيمسون، لكن أصداء فكرته مسموعة حالياً، كما في تركيا والبرازيل، حيث لم يقد التظاهرات فلاحون من الأرياف أو سكان ال"فافيلاس"، أي المدن العشوائية في البرازيل، إنما يبدو أن من قادها هم أناس من الطبقة المتوسطة في دول تشهد نمواً اقتصادياً صلباً، تعبيراً عن إحباطهم، يقول جيفري سيمسون.

ولكن ما الذي يحبطهم؟ كل حالة مختلفة عن سواها، يقول الكاتب. ففي تركيا معارضة لابتعاد رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان عن العلمنة، ولعجرفته المتزايدة أيضاً. وفي البرازيل حيث ينتشر الفساد السياسي على نطاق واسع، غصت الشوارع بالناس الذين عبروا عن غضبهم من سوء الحكم بعد ورود معلومات جديدة عن رداءة الخدمات العامة من جهة وعن الإنفاق السخي على ملاعب الألعاب الأولمبية التي تستضيفها البرازيل عام 2016 وملاعب بطولة كأس العالم لكرة القدم التي يستضيفها عملاق أميركا الجنوبية العام المقبل، من جهة أخرى.

ولو كنتَ في الحزب الشيوعي الصيني حيث الحكم السلطوي المركزي يشكل أسلوب عمل الحكومة لنظرتَ إلى أحداث تركيا والبرازيل وضاعفتَ تصميمك على قمع حرية التعبير والتجمعات السياسية، يقول جيفري سيمسون في "ذي غلوب أند مايل". الصين أنتجت أكبر طبقة متوسطة في التاريخ وفي أقصر فترة زمنية، وهي بالتالي مكان ملائم لنظرية ألكسي دي توكفيل، يرى الكاتب. والسلطات الصينية مصممة على توفير المزيد من الرخاء الاقتصادي دون منح حريات سياسية وإعلامية متوفرة حالياً على نطاق واسع على امتداد آسيا، ولا يمكن التوفيق بين هذين الأمرين على المدى الطويل، يرى الكاتب.

ويعود سيمسون إلى الأحداث التي شهدتهما تركيا والبرازيل مؤخراً فيقول إنها تذكرنا كيف أن اللامتوقع يجب أن يكون متوقعاً، فلا أحد توقع حصول هذه التظاهرات في دول كان يُعتقد أنها سائرة نحو مستقبل اقتصادي أفضل يُفترض أن ينتج ارتياحاً قومياً وسكوناً سياسياً.

ويستشهد سيمسون بكتاب صدر مؤخراً للمراسل الدولي كريستشان كاريل، الأميركي الجنسية، بعنوان "متمردون غرباء: 1979 وميلاد القرن الحادي والعشرين" والذي ينظر إلى أحداث وقعت في تلك السنة: استلام دينغ شياو بينغ مقاليد الحكم في الصين، وكارول فويتيلا قيادة الفاتيكان تحت اسم يوحنا بولس الثاني، ونهاية نظام الشاه في إيران وانتخاب مارغريت تاتشر رئيسة لحكومة بريطانيا. هذه الأحداث التي ستغير وجه العالم لم يتوقعها أحد قبل بضع سنوات من حصولها. وبعد حصولها بعقد من الزمن، لم تتوقع ألمانيا الغربية الانهيار المذهل والسريع للنظام الشيوعي في ألمانيا الشرقية رغم مراقبتها لكل ما كان يجري في هذه الدولة. وهل توقع أحد أعمال الشغب الأخيرة في السويد الوديعة؟ وكم من المراقبين توقعوا حراك "الربيع العربي"؟ يتساءل جيفري سيمسون قبل أن يختم بقول مأثور لرئيس حكومة بريطانيا الأسبق هارولد ماكميلان الذي لما سُئل عن أكثر ما يقلقه أجاب "الأحداث، يا عزيزي، الأحداث!".

استمعوا

فئة:دولي، سياسة، مجتمع
كلمات مفتاحية:

هل لاحظتم وجود خطاّ ما؟ انقر هنا!

لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.