بعد انقطاع استغرق أكثر من ثلاث سنوات ، واتفاقي أوسلو وواي بلانتيشن اللذين لم يثمرا ولم يؤديا إلى سلام حقيقي ودائم ، استأنف الفلسطينيون والإسرائيليون مفاوضات السلام مطلع هذا الأسبوع في واشنطن ، وسط تحذيرات من عدم المبالغة في الآمال ، وفي ظل أوضاع متوترة تسود المنطقة وتهدد بتفجيرها : من سوريا الغارقة في حرب أهلية مرشحة للاستمرار ونقل عدواها إلى الجوار ، إلى العراق المقسم مذهبيا وعرقيا وحيث لليد الإيرانية دور وتأثير ، مرورا بلبنان الذي يواجه رغما عنه حروب الآخرين ، ومصر المتنقلة من ثورة دامية إلى ثورة أكثر دموية ، وصولا إلى تونس وليبيا الخارجتين من الظلم إلى الظلمة .
وفداحة هذه الأوضاع المأساوية كادت تنسي العرب والسلمين والمجتمع الدولي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي المحوري والمزمن في الشرق الأوسط والمهدد دائما بالانفجار . من هنا يرى بعض المراقبين أن استئناف مفاوضات السلام ، وعلى مدى سنة ، قد يكون مجرد حبوب منومة لتمرير الوقت بانتظار حل النزاعات الأخرى الطارئة في المنطقة .
هيئة الإذاغة الكندية استضافت أستاذ العلوم السياسية في جامعة إسرائيل المفتوحة البروفسور دوني شاربيت الذي يستعرض بداية موقف الإسرائيليين من استئناف التفاوض . يقول :
" الشعور الغرائزي الأول هو التشكيك في قدرة الطرفين على التوصل إلى اتفاق بعد تجربتين لم تتوجا بالنجاح . ولكن ، في الوقت نفسه ، وهذا ما ستكشفه استطلاعات الرأي المقبلة ، أعتقد أنه في ظل الأجواء الإقليمية الدامية والعنيفة وغير المستقرة ، أن ثمة تعبيرا عن أمل مكتوم ، متزامن مع الشك ، بأن التوصل إلى حل يبدو ممكنا وأن يعطي الشعبان درسا لدول المنطقة مفاده أن الحل السياسي لا العنف ، يمكن أن يتحقق عبر التفاوض ، بالرغم من عدم معرفتنا ما إذا كان الطرفان سيتوصلان فعلا إلى اتفاق "
ويتابع البروفسور دوني شاربيت مميزا بين موقف الشعب ومواقف الحكومة :
المشككون في احتمال التوصل إلى اتفاق سلام ليسوا معارضين للتفاوض أو معادين للسلام ، إنما يشككون في قدرة الطرفين على التوصل إلى اتفاق . أما في أوساط الحكومة ، فثمة وزراء وأحزاب معارضون تماما للتفاوض وللنتائج التي قد تسفر عنه أي إنشاء دولة فلسطينية . من هنا فثمة انقسام إيديولوجي عميق داخل الحكومة . أما على الصعيد الشعبي فالأمر مختلف وهو يختصر بشك حول كيفية التوافق وتخطي الصعاب وحل الكثير من المشاكل بعد تجربتين فاشلتين خلال العشر سنوات الأخيرة مع إيهود باراك وإيهود أولمرت . وهذا لا يعني معارضة للنتائج ورفض قيام دولة فلسطينية "
ما الذي أدى إلى إنعاش المفاوضات ؟
يجيب البروفسور شاربيت : لا شك أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري لعب دورا أساسيا فتمكن ، بصبره وطول أناته ودبلوماسيته من إقناع الطرفين بالعودة إلى الطاولة ولا بد هنا من الثناء على دوره الذي لم يكن أحد سواه قادرا عليه . لكن هذا وحده لم يكن كافيا فأنا أعتقد أنه ، في الطرف اإسرائيلي هناك حكومة وعدد كبير من الوزراء والنواب المؤيدين للتفاوض وثمة قناعة في أوساط الإسرائيليين أن عدم وقوع أعمال إرهابية كبيرة في الضفة الغربية منذ أكثر من خمس سنوات يشكل حافزا لإيجاد حل نهائي إضافة إلى تراجع صورة إسرائيل في أوروبا تحديدا. أما بالنسبة إلى الطرف الفلسطيني فأعتقد أن العامل الأساسي الذي دفع بالرئيس محمود عباس إلى العودة إلى المفاوضات هو الأجواء المتوترة السائدة في المنطقة وأنه بات على الفلسطينيين الآن تقرير مصيرهم بأنفسهم إذ لم تعد مصر وسوريا قادرتين على دعمهم .
يبقى أن المفاوضات الحالية ستستأنف بعد أسبوعين ولن تظهر أية نتائج عملية قبل مرور سنة على الأقل، ستكون بدون شك حافلة بالأحداث السياسية والأمنية والعسكرية .استمعوا
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.