ماذا تغير؟

في سلسلة من ستة ريبورتاجات، يقيّم الصحافي في تلفزيون هيئة الإذاعة الكندية ريمون سان بيار مدى التأثير الذي مارسه رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر في سدة الحكم في كندا.

ستيفن هاربر في سدة الحكم منذ عام 2006 وقد توصل لتشكيل حكومة غالبية في عام 2011  وهو يعتزم الترشح للانتخابات التي ستجري في عام 2015 .

ومع حلول منتصف الولاية الانتخابية الجديدة وعلى بعد أيام قلائل من خطاب العرش حيث يعتزم إعطاء دفع جديد لحكومته، ارتأينا أن نقدم جردة عن سنوات حكم هاربر.

هل غيّر كندا في العمق؟

هل ترك بصماته على كندا؟

ولتحقيق ستة ريبورتاجات حول الموضوع قمنا بجولة على مختلف المناطق الكندية ، وحتى إلى البيرو والقطب الشمالي،

أجرينا خلالها مقابلات مع معلقين ومواطنين عاديين ولم نلتق بسياسيين لتجنب الوقوع في متاهات لا تنتهي.

ستستمعون إلى عدد من السكان الأصليين في بريتيش كولومبيا وإلى عاطلين عن العمل وعمال من مقاطعات الأطلسي الكندية بالإضافة لبائع خضار وفواكه من تورنتو.

وكان لهم جميعهم ما يقولون حول سنوات هاربر:

كندا ستيفن هاربر


الهوية الكندية

احتفلت كندا في الثاني والعشرين من شباط – فبراير الماضي بذكرى حرب العام 1812 في بريسكوت ، جنوبي مقاطعة أونتاريو ... حيث قامت القوات الإنكليزية-الكندية يومها، بعبور نهر السان لوران في أوغدنسبيرغ لتلقين درس للأميركيين الذين يعبرون الحدود عادة لنهب قرى المنطقة الواقعة في كندا العليا .

من بين المحتفلين المؤرخ ستيفان بوارييه ، الذي يعتبر أن حرب 1812 تشكل حدثا أسس للهوية الكندية :

" أعتقد أن الأمر أساسي فلولا حرب العام 1812 ، لكان وجه القارة الأميركية مختلفا تماما "

وتعتبر حكومة هاربر أن حرب العام 1812 حدث أسس للهوية الكندية وقد أنفقت ثلاثين مليون دولار في حملة للتعريف بالحدث . فكانت مجموعة من الأفلام وسلسلة من الدعايات وإصدار قطع نقدية وطوابع تذكارية تخليدا لأحداث وقعت منذ قرنين .

وبالرغم من أن عدة استطلاعات للرأي بينت أن قليلا من الكنديين يعرفون الحدث ، أصر رئيس الحكومة على الاستمرار. والسؤال : لماذا إنفاق الملايين لإحياء ذكرى حرب شبه مجهولة ؟

يقول جيري نيكولز الرئيس السابق للائتلاف الكندي للمواطنين :

" أعتقد أنه يسعى إلى تظهير صورة جديدة لكندا ". ويعتبر جيري نيكولز الذي عمل مع هاربر خلال خمس سنوات في إطار الائتلاف الوطني الذي كان يدافع عن قضايا محافظة ، أن هاربر كان يكره النظام الليبيرالي على طريقة رئيسي الحكومة السابقين ليستر بيرسون وبيار ترودو ويلومهما لأنهما لم يهتما بالتراث الكندي وتقاليدنا العسكرية ويضيف :

" إن إحد الأمور التي سعى هاربر لتحقيقها عند وصوله إلى السلطة هو تبديل النهج السابق وإعادة الاحترام والفخر بقواتنا المسلحة وتاريخنا العسكري . وعبر إحياء ذكرى حرب ال 1812 سعى إلى جعل الكنديين يفتخرون بإنجازات الجيش الكبيرة .

من جهته ، يقول العالم السياسي دوني سان مارتان :

" إنه تلاعب معيب ومسيّس للتاريخ . لقد حاولوا إقناعنا أنه عمل مؤسس لكندا حيث الشعور الوطني منتشر بقوة ."

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة مونتريال دوني سان مارتان أن هذا يكشف عن ناحية مهمة من شخصية ستيفن هاربر :

" عندما قام بإعادة كتابة التاريخ من زاويته الخاصة ، كشف عن منحى إيديولوجي .. لماذا أقول ذلك ؟ لأن تصرفه هذا لا يخدم مصالحه الانتخابية ولا يكسبه أصواتا إضافية ".

ويسعى رئيس الحكومة ستيفن هاربر دائما إلى إبراز دور الجيش الكندي وإحياء معاركه الكبيرة .

فقد ترأس احتفال تكريم قدامى الحرب الكورية

وذهب إلى ليبيا لدعم القوات الكندية المشاركة في إطار قوات حلف شمال الأطلسي .

"...القوات الكندية هي الأفضل في العالم..."

وتم في العاصمة أوتاوا ، تكريم الجنود الذين شاركوا في قلب النظام الليبي .

تقول المحللة السياسية تاشا خيرالدين :

" إنها طريقة هاربر في التأكيد على أهمية كندا على الساحة الدولية . وأعتقد أنه يسعى إلى دفع الكنديين للشعور أكثر فأكثر بالاعتزاز بجيشهم عبر التركيز على المعارك الهامة التي خاضها والتي يهمَل ذكرها جراء الفكر البيرسوني ( نسبة إلى رئيس الحكومة الأسبق ليستر ب . بيرسون ) الذي يعتبر كندا حارسة السلام .

يقول المحلل السياسي دانيال ليسار :

" كل الجهد العسكري يشكل أولوية مهمة لهاربر ليظهر أن كندا انتقلت إلى مرحلة جديدة إذ طالما شاركت كندا في مهمات السلام الدولية لحماية الشعوب والدفاع عن السلام ، وهذه أمور جميلة وطوباوية دون أن ترد في حال اعتدي عليها ... لكن الأمور تغيرت . نحن نذهب لإحلال السلام واتخاذ الوسائل لتحقيقه والوسائل عسكرية نذهب بشاحناتنا ودباباتنا وطائراتنا ...ونقطة على السطر . "

مع ستيفن هاربر باتت القوات البحرية والجوية من جديد قوات ملكية . ذلك أن الحكومة المحافظة متعلقة بشدة بالنظام الملكي . وفي أول خطاب له أمام مجلس النواب كرئيس حكومة أثنى بشدة على الملكة :

" بادئ ذي بدء أود أن أشيد برأس السلطة في كندا ، صاحبة الجلالة الملكة إليزابيت الثانية .

يقول روبيرت فينش رئيس رابطة الملكية في كندا .

" لقد أظهر هاربر أنه من المؤيدين للملكية وقد عمل وحكومته لتعزيز مكانتها في كندا ونحن ممتنون من ذلك ."

ويؤيد هذا الرأي أستاذ العلوم السياسية توم فلاناغان وهو من ضمن ما يعرف بمدرسة كالغاري ، وهو تجمع لأساتذة محافظين من جامعة كالغاري ..وكان لفترة طويلة مقربا من ستيفن هاربر يعمضيفا أن تركيز هاربر على النظام الملكي يرضي ناخبيه في مقاطعات الغرب التي باتت مركز ثقل السلطة حاليا .

" إن حكومة المحافظين كما نعرفها اليوم لم تكن ممكنة لولا تنامي تأثير الغرب الكندي ، نقطة ثقلها موجودة في الغرب والدعم الصلب لها يأتي من ألبيرتا وساسكاتشوان وبريتيش كولومبيا ومانيتوبا ..."

منذ أشهره الأولى في السلطة عام ألفين وستة ، ركز هاربر على السيادة الكندية على منطقة المحيط المتجمد الشمالي الذي يشكل أربعين بالمئة من مساحة كندا والذي يعتبره في صلب الهوية الوطنية الكندية ...

وهو يصر على تأكيد كندا سيادتها عليه بحرا وجوا وأرضا وضرورة الدفاع عنها ، وقد تم تشكيل قوات احتياط غالبيتها من قبائل الإنويت ، التي هي بمثابة عيون القوات الكندية وآذانها .

يقول الخبير في التاريخ العسكري ستيفان روسيل :

" من شأن هذه القضية حشد غالبية الكنديين أكانوا فرنسيي اللغة أو إنكليزيي اللغة ، أكانوا من شرق كندا أو وسطها أو من غربها "

وتأكيدا على هذه السيادة ، يقوم ستيفان هاربر كل عام بزيارة الشمال للتذكير بضرورة حماية هذه المنطقة التي ترمز للسيادة الكندية ويعتبر ستيفان روسيل الخبير في الشؤون الدولية أنه من الصعب تصور تهديد لسيادة كندا في تلك المنطقة .

" لا أحد يتنكر لسيادة كندا على منطقة المحيط المتجمد الشمالي . إذا هذا الموقف المتشدد للحكومة الكندية يثير الدهشة وعدم الفهم في الخارج وأعتقد أن هدفه هو السياسة الداخلية وأن موقف الحكومة وخطابها يتوجهان أولا وقبل كل شيء إلى الكنديين أنفسهم ."

تلك هي ، ركائز الهوية الكندية كما يراها رئيس الحكومة هاربر :

شمال يجب حمايته وتطويره

نظام ملكي يميز كندا عن الولايات المتحدة

جيش يثبت نفسه ويذهب للقتال

وحرب توصف على أنها لحظة مفصلية في تاريخ كندا بنت ركائز الهوية الكندية عبر مشاركة مقاتلين من الكنديين الفرنسيين والإنكليز والسكان الأصليين والبريطانيين ضد جيران كندا الأميركيين الغزاة .


إصلاح قطاع العمل

نحن في حانة جيمس جويس في وسط مدينة كالغاري ألبيرتا .

" أتمنى أن يعمل الكنديون في حانتي لكن للأسف لا يطرق أحد منهم بابي طلبا للعمل "

جيرار كورّان ، صاحب الحانة ، كان يملك مطعما آخر اضطر لإقفاله جراء نقص اليد العاملة .  وهو يؤكد أن اثني عشر من أصل خمسين موظفا في حانته هم عمال مؤقتون أجانب ويضيف :

" أضطررت للجوء إلى العمال المؤقتين الأجانب لأني مللت من إنفاق المال على وضع إعلانات فرص العمل في حانتي دون أن يستجيب أحد . كنت أنفق ألفي دولار أسبوعيا على تلك الإعلانات في الكالغاري هيرالد والصن ولم يعد بإمكاني تحمل ذلك ".

الخدم والنادل هنا إيرلنديون ، الطباخون والمضيفة فيليبينيون ... وصاحب المطعم يجد صعوبة كبيرة في إيجاد عمال كنديين :

" لقد قلنا ذلك أكثر من مرة للحكومة ، فنحن سنواجه نقصا في اليد العاملة خلال السنوات العشر المقبلة ".

خلال السنوات الماضية استجابت حكومة هاربر لطلبات تلك المؤسسات وكان من السهل توظيف عمال مؤقتين أجانب .. وثمة ثلاث ةثلاثون ألف مؤسسة تشغل هؤلاء العمال ليس في قطاع الزراعة فحسب إنما في مجمل قطاعات الإنتاج  ، كما في معامل تحويل الثروة البحرية والخدمات الاجتماعية وحتى قطاع البناء حيث لجأت مدينة فانكوفر إلى استخدام عمال من أميركا اللاتينية لبناء خط سكة الحديد السريع . ومن المتوقع أن تحتاج مقاطعة بريتيش كولومبيا خلال السنوات العشر المقبلة إلى مليون عامل جراء تقاعد آلاف الموظفين والتطور الاقتصادي الذي تشهده المقاطعة . وفي حال استمرار هذه الوتيرة فمن الأرجح أن تذهب معظم تلك الوظائف إلى العمال الأجانب .

عدد العمال الأجانب ارتفع ثلاثة أضعاف  خلال عشر سنوات وفي نهاية العام 2012 تم تسجيل 340000 عامل أجنبي في كندا . لكن سوء استخدام برنامج تشغيل الأجانب أقلق المعنيين وبينهم رئيس الحكومة ستيفن هاربر : "

" نحن قلقون جراء توسع البرنامج هذا وبخاصة بشأن ما أثير من أخبار حول استغلاله ."

وبعد تركيز الإعلام على عدة أخبار بشأن سوء الاستعمال أعلن هاربر عزمه على تشديد شروط الاستفادة منه .

يعلق استاذ العلوم السياسية في جامعة كالغاري والمستشار السابق لهاربر ، توم فلاناغان قائلا :

" كانوا يعتقدون ربما بأن فكرة البرنامج جيدة في البداية لكنهم بدأوا بالتراجع ليس لأنهم لم يعودوا يؤمنون به إنما جراء الضغط الشعبي " .

من جهته يقول المحلل السياسي دانيال ليسار :

" عندما تكون فلسفتك قائمة على مبدأ تسيير الاقتصاد وتسييره بسرعة ودون عوائق ، فكل الوسائل تصبح جيدة ، واللجوء للعمال الأجانب كان حلا جيدا . وثمة خبث في الأمر . فقد تعهد وزير المال جيم فلاهرتي بتشديد القوانين لتقليل عدد العمال الأجانب ولكن كيف سيرد على مؤسسة إقتصادية كبيرة عندما ستقول له : أنا بحاجة إلى مئة عامل ولا أجدهم في كندا ؟".

في ربيع هذا العام ، أعلن هاربر إصلاحات في قوانين تعويضات البطالة بدت على أنها تلبي مطالب أصحاب العمل  واستهدفت الإصلاحات العمال الذين يستفيدون من التعويضات عدة مرات والعمال الموسميين وبخاصة في قطاع الصيد والثروة الحرجية ما أثار الغضب في المقاطعات الأطلسية التي يعول اقتصادها على الصيد البحري .

وقد جرت عدة تظاهرات في كيبيك ومونتريال ومونكتون تنديدا بتلك الإصلاحات .

تقول إحدى المشاركات في تظاهرة مونكتون ميلاني بريدو وهي أم لثلاثة اطفال :

" هناك أهل مثلي يعتاشون من تعويضات البطالة ولديهم أطفال والعمل غير متوفر حتى على بعد ساعة من مكان إقامتي ".

من جهته ذهب الصياد موريس مارتان إلى أبعد من التظاهر فأعلن الإضراب عن الطعام تنديدا بالإصلاحات وهو يحلم ألا يضطر أبناؤه إلى ترك منازلهم والابتعاد عنها خمسة آلاف كلم ليحصلوا عيشهم كما يفعل هو  ويتابع  :

" الإصلاحات ليست إصلاحات إنما نوع من العبودبة تجعلنا دائما عبيدا للحكومة  ففي فصل الشتاء يتعذر الصيد وأنا مستعد للعمل لكنه غير متوفر خلال الشتاء ، وهنا تكمن المشكلة ".

وقد صمد مارتان في إضرابه عن الطعام مدة ثمانية وعشرين يوما وأرسل كتابا إلى رئيس الحكومة ولم يتلق أي جواب .

يعلق مدير أحد مراكز الأبحاث في السياسات الحكومية في تورونتو ماثيو ميندلسون على تلك الإصلاحات :

" إن عالم الأعمال يتغير ومن ليس باستطاعته كسب المال من الصيد الموسمي فمن الأفضل ربما أن يغير عمله " .

من جهته يقول المحلل السياسي توم فلاناعان :

" إن أقل تغيير يؤدي إلى ردود فعل ". وهو يتذكر ما قاله ستيفن هاربر عام 2002 عندما  كان زعيم الائتلاف الكندي إذ  قال في لقاء مع صحيفة نيو برنزويك تيليغراف : في المقاطعات الأطلسية اتكالية تؤدي إلى ثقافة انهزامية " ويتابع فلاناغان :

" أعتقد أنه ما زال يؤمن بذلك لكن إعلان ذلك ليس مناسبا سياسيا وقد اضطر بعد التصريح إلى الاعتذار بعد تردد لكني أعتبر أنه لم يغير رأيه فعلا ".

وتتساءل  المحللة السياسية تاشا خير الدين :

" ولكن أين فرص العمل وبخاصة في الغرب الكندي  حيث يؤكد أصحاب العمل أنهم يواجهون نقصا في اليد العاملة ويبحثون عن عمال ويأتون بعمال من الخارج ؟ وأعتقد أن هاربر يجد في ذلك فرصة لبناء اقتصاد الغرب الكندي الذي بحاجة إلى مثل هؤلاء العمال بالمقابل يسعى إلى كسر اتكالية الشرق الذي يختلف مع بعض أوجه سياساته الاقتصادية  ".

ويؤكد أحد عمال الشرق الكندي ، غي لاتنتين ، الذي اضطر لمغادرة مقاطعته والعمل في قطاع استخراج النفط من الرمال الزفتية في الغرب الكندي لقلة ظروف العمل في نيوبرنزويك ، يؤكد هذا المنحى في سياسة هاربر  ويرى أنه في هذا الوضع لأن هاربر لم يفعل الكثير لإنعاش اقتصاد المقاطعات الأطلسية مضيفا بتهكم :

" إن الإصلاحات لا تعتبر العمل الموسمي مهما ... فثمار البحر وشراب القيقب والزراعة كلها أمور نحن بحاجة إليها وهي تطعمنا ولكنها بالنسبة لهاربر ليست مهمة ويبدو أن باستطاعتنا أن نشرب النفط ".

لكن محدثنا يعتاش من قطاع النفط حاليا بعيدا جدا عن مقاطعته ، وهذا ما يتطلبه سوق العمل ولن تتغير الأوضاع على المدى القريب ... ولعل محدثنا يجسد الصورة التي ينتظرها هاربر من العمال وهي أن يكونوا مستعدين للتنقل بين مقاطعة وأخرى حيث يوجد عمل ..وظروف العمل حاليا متوفرة في الغرب الكندي .

"


القانون والنظام

في أحد أيام ربيع العام 2009 لمح دايفيد شين ، صاحب بقالة " لاكي موز ماركت " في الحي الصيني في تورونتو، الذي يعمل بجد منذ عشرسنوات لإنجاح مؤسسته ، لمح الرجل الذي سرق من محله زهورا قبل حوالي الساعة .. فاقترب من المشتبه به الذي حاول الفرار . وقد التقطت كاميرا المراقبة ما حدث .

لاحق شين السارق وساعده عاملان في بقالته وتمكنوا من القبض عليه وربط يديه ووضعه في شاحنة صغيرة بانتظار وصول رجال الشرطة .

لكن دايفيد ، الذي اعتبر أنه قام بعمل جيد ، فوجئ عندما اعتقلته الشرطة .

" كبلوني في السيارة واقتادوني إلى المخفر وكنت أردد لهم : لقد سرق زهوري ".

أطلق سراح شين ولكن تمت ملاحقته أمام المحاكم بتهمة الاعتداء واحتجاز الحرية إذ أنه ألقى القبض على السارق بعد مرور ساعة على السرقة بينما كان القانون يسمح بتوقيف السارق فقط متلبسا بالجريمة .

يقول محامي الدفاع عن دايفيد شين ، بيتر ليندزاي :

" الناس يتساءلون حول نظامنا العدلي ، ومعظم الكنديين يرون القوانين غير منصفة لأنها تمنعك من إلقاء القبض على أشخاص يسرقونك كل يوم ."

أما تشين ، الذي صدرت براءته بعد سنة ونصف ، فاعتبر بطلا في أوساط جاليته .

وبعد مرور أربعة أشهر اقترح رئيس الحكومة الكندية ستيفن هاربر تعديلات على القانون الجزائي لإعادة تحديد مفهوم الدفاع المشروع عن النفس  وتوقيف أي مواطن .

يقول ستيفن هاربر :

" مشروع قانوننا سيمكّن من  توقيف السارق في مهلة زمنية معقولة  ولم نعد بحاجة إلى إلقاء القبض عليه بالجرم المشهود . ومشروع القرار الذي نقدمه سيوضح حق الكنديين بالتصرف دفاعا عن النفس ".

وقام ستيفن هاربر بزيارة بقالة " لاكي موز ماركت ومنح شخصيا دايفيد شين  ميدالية يوبيل الملكة إليزابيت الثانية .

قصة دايفيد شين ليست حالة معزولة ولطالما عمدت حكومة هاربر على استغلال مثل تلك الأحداث عبر البلاد للاستجابة لسخط الناس والعمل على تغيير القوانين .

" لن نستكين حتى تصبح شوارع كندا ومدنها سالمة وآمنة قدر المستطاع وإلى أن تعامل العدالة الضحايا كما يجب أن يعاملوا ، أي بطريقة أفضل مما يعامل المجرمون."

يعلق المحلل السياسي الذي عرف هاربر في بداياته السياسية جيري نيكولز بالقول :

كأن رئيس الحكومة يقول : سأكون متشددا مع المجرمين ، سأرميهم في السجون لكي تصبح شوارعكم آمنة ...وهذا يستهوي الناس عادة .

ويعتبر نيكولز أن هذه المقاربة تخدم رئيس الحكومة :

" إن الخوف يدفع الناس إلى التحرك وستيفن هاربر يلعب على هذا الوتر فهو من يحقق العدالة . بمعنى آخر ، إذا كان الناس يخشون الإجرام ويتمنون طرد المجرمين من شوارعهم ، سيلتجئون إلى رئيس الحكومة ويصوتون له في الانتخابات ."

من جهتها تتساءل رئيسة تجمع محامي الدفاع في كيبيك جويل روا : ما الذي يبرر هذه التعديلات العميقة للقانون الجنائي ؟ وتعتبر أن تلك الإجراءات المتشددة جدا لا تأخذ بعين الاعتبار تراجع الجريمة في كندا وترى أن الأمر مثير للقلق ووراءه بروباغندا واضحة. وتتابع :

" لقد أقنعوا الناس أن الجرائم إلى ارتفاع وكذلك العنف وأن للمجرمين حقوقا أكثر من الضحايا . والمؤسف أن ذلك لا تروجه الحكومة فحسب إنما أيضا وسائل الإعلام .

قوانين أكثر تشددا مع المجرمين الشباب ، اللجوء الإلزامي إلى إصدار حد أدنى من الأحكام ، وتشدد في الأحكام بصورة عامة ، مجموعة إجراءات ترفع عدد السجناء في السجون الكندية .

يقول المتخصص في القانون جان كلود إيبير :

" تشهد السجون توترا مرتفعا وتمردا وراء الجدران ومجموعة من الأمور ستؤدي بدون شك إلى كلفة مرتفعة على الصعيدين الاجتماعي والمالي ".

ويعتبر أستاذ القانون والمحامي جان كلود إيبير أن هاربر وفي ّ لإيديولوجيته :

" عندما يقترح هاربر سياسته بشأن العدالة فهو مخلص لما عاشه وآمن به . وعندما نقول لهم إن نتائج تطبيق هذه الإيديولوجية لم تكن مثمرة يجيبوننا : إنها الإيديولوجية الصحيحة ونحن مستمرون في تطبيقها ".

من جهتها تناضل الناشطة لحقوق الضحايا إيزابيل غاستون كي يتشدد هاربر في القانون المتعلق بالإشخاص الذين يعتبرون غير مسؤولين عن جرائمهم ، وهي الزوجة السابقة للطبيب غي توركوت الذي اعتبر غير مسؤول عن قتله ولديهما . تقول :

" يجب عدم تحميل المسؤولية لمن ليس مسؤولا.. بالمقابل هذا لا يعني أنه يتمتع بالحصانة في كل الأمور . وفي حال وقوع جريمة ما يجب اتخاذ كل التدابير لمنع مرتكبها من ارتكاب جريمة أخرى ."

ويعلق المحلل السياسي دانيال ليسار على موقف هاربر المتشدد قائلا :

" المقلق في الأمر أن المحافظين لا يأبهون بالدراسات التي تثبت تراجع الجريمة فبالنسبة لهم من يقوم بهذه الدراسات هم أناس قابعون خلف مكاتبهم لا يعرفون حقيقة الوضع ولم يقوموا بدراساتهم ميدانيا وبالتالي يجب إهمالهم ." ويتساءل ليسار :

ولكن بالرغم من قوانين هاربر الجميلة ، بالرغم من التشدد في القوانين العدلية ، هل اختفت عصابات الشوارع ؟ هل ما زالت المافيا موجودة ؟

من جهتها تقول المحللة السياسية تاشا خيرالدين :

" ليس واضحا بعد ما إذا كنا بحاجة إلى كل الإجراءات التي يسعى المحافظون إلى تبنيها ولكن في الأساس يجب فعل شيء ما . لقد قدم هاربر مجموعة من مشاريع القوانين وركز على مسالة القانون وحفظ النظام وهو يتودد إلى الجاليات العرقية وبخاصة في تورونتو وكذلك في فانكوفر وهي قاعدة انتخابية يدرك أهمية التودد إليها لأنها تشكل على المدى البعيد خزان النمو السكاني في كندا . ".

وبالعودة إلى دايفيد شين فهو بات يشعر بالأمان ليس فقط جراء تشدد هاربر في القوانين العدلية ، إنما أيضا لوضعه عشرات كاميرات المراقبة في محله بعد تعرضه لعدة سرقات . وكاميرات بقالته يوازي عددها عدد كاميرات السجون .


التنمية الاقتصادية أو البيئة

نحن في منطقة كينورا ، شمال غرب أونتاريو ، بمحاذاة حدود مانيتوبا . هنا يوجد ما يسمى       منطقة البحيرات الاختبارية . فمنذ العام 1968، يستخدم هذا المختبر الواسع في الهواء الطلق الذي يضم ثمانيا وخمسين بحيرة ، يستخدم لاختبار آثار مختلف ملوثات خزانات المياه العذبة . هنا ، وبعد سنوات من الجدل ، تم إثبات أضرار الأمطار الحمضية بطريقة علمية .

" إن جمال هذا المكان يكمن في كونه منفردا ولا تأثير للعامل البشري في الاختبارات التي نقوم بها لذلك بإمكاننا معرفة أثر الملوثات بصورة علمية .

مارغاريت كزينوبولوس عالمة تدير في المنطقة تجارب حول جودة المياه وذهلت عندما علمت أن مؤسسة الصيد والمحيطات الكندية قررت عام 2012 إقفال مركز الأبحاث .

" لقد نددت الأوساط الدولية المعنية بجودة المياه بقرار إقفال المركز الفريد من نوعه في العالم .ونتائج اختباراتنا مهمة إن للكنديين وإن لسائر دول العالم .

إعلان إقفال المركز كان شكل بالنسبة للكثير من العلماء النقطة التي طفح بها الكيل وتظاهر الآلاف منهم أكثر من مرة تنديدا بسياسات ستيفن هاربر في المجال العلمي : ضغط نفقات ، إسكات العلماء الذين تمول الحكومة الفيديرالية مشاريعهم ...

والشكوى ليست صادرة عن العماء وحدهم .. فثمة عدد كبير ممن عرفوا هاربر جيدا يؤكدون أنه يسعى دائما لضبط كل رسالة تروج لها الحكومة .

يقول توم فلاناغان الذي شغل منصب مستشار إستراتيجي لرئيس الحكومة :

" رقابة متشددة بشأن اللقاءات مع وسائل الإعلام وليس فقط بالنسبة إلى العلماء إنما أيضا لمختلف الموظفين وأعضاء حكومته والنواب . بالواقع وضع نظاما محددا يقضي بتقييم كل مداخلة على أساس وقعها أو مردودها السياسي ."

يقول المحلل السياسي بول ويلز :

" يسعى هاربر إلى إيجاد سبل لإقامة مجتمع يكون في الوقت نفسه مجتمع معرفة واكتشافات وابتكارات وخلق الثروة ولكن أقل ليبيرالية والعلماء يزعجونه على هذا الصعيد فهم في غالبيتهم العظمى يصوتون لليبيراليين وليس للمحافظين ما لا يساعده على إقامة هذا النوع من المجتمع الذي يطمح لإقامته ."

ويؤكد المحلل السياسي دانيال ليسار هذا الطرح مضيفا  :

" إذا العلماء خصوم الحكومة وأيا كانت الدراسات أو المعطيات العلمية التي يرفعونها سيكون رد الحكومة أن همهم هو منع التطور الاقتصادي ومنع كندا من الإثراء .. هم خصوم  وأعداء وبالتالي لا نهتم بما يقولون .

من جهتها تعتبر جاكي توماس وهي زعيمة سابق لقبيلة سايكوز الهندية في بريتيش كولومبيا ، تعتبر أن هاربر يسعى إلى إسكات كل من يعارض سياساته ولا تترك مناسبة دون الحديث عن التنمية المستدامة ، على طريقتها الخاصة :

" إن حكومتي ، الحكومة الكندية ، تعتبرني متطرفة بيئية ، راديكالية وعدوة لكندا " .

وفي شباط – فبراير من العام الجاري توجهت إلى عشرين ألف متظاهر التقوا  في واشنطن للتنديد بمشروع خط أنابيب كيستون إكس إل  لنقل النفط المستخرج من الرمال الزفتية من ألبيرتا إلى تكساس  :

" أنا لست ضد التطور ولدينا حاليا شراكة مع بعض القطاعات الصناعية ولدينا هنا مؤسسة حرجية ونشارك في مشروع أنابيب نفط باسيفيك تريل مع خمس عشرة قبيلة من السكان الأصليين .

جاكي توماس من سكان محمية صغيرة ومعزولة قوامها حوالي مئة شخص وهي تساعد شباب المحمية  العاطلين عن العمل والذين فقدوا الثقة بأنفسهم  .

وعلى غرار عدة قبائل هندية في بريتيش كولومبيا ، تعارض قبيلتها مشروعا آخر لمد الأنابيب نورثرن غيتواي الذي سينقل النفط المستخرج من الرمال الزفتية إلى الغرب الكندي .. ويؤكد هؤلاء الهنود أن همهم هو المحافظة على ثقافتهم وبيئتهم للأجيال القادمة .:

" إن الحكومة وقطاع الأعمال يقولون إننا نعارض كل شيء، وهذا غير صحيح . نحن ندعم التطور ، نحن بحاجة إلى سوق عمل ، إلى أمان مالي وشبابنا بحاجة إلى الأمل ."

وبما أن هاربريؤمن بالتطور فهو لم يفقد الأمل في أقناع هؤلاء الهنود بحسنات مشاريع مد الأنابيب .

تقول المحللة السياسية تاشا خير الدين :

" إن هاربر يدرك أنه في حال تمكنه من إقناع هؤلاء الهنود ، سيتمكن من تحقيق أجندته النهائية القائمة على مد أنابيب النفط تلك لتطوير قطاع صناعة النفط في الغرب الكندي وهذا هدف حكومته الأساسي : إرسال الموارد إلى الغرب والاهتمام به بدل الاهتمام بالوسط والشرق بغاية نقل مركز القرار في كندا ".

من جهته يؤكد آرت ستيرريت الناطق بلسان الأمم الأولى في الغرب أن "" ليست لنا أية علاقات مع حكومة هاربر".

وبدوره يعارض ستيريت خط أنابيب نورثرن غيت ويعتقد أن وزير الموارد الطبيعية الفيديرالي جو أوليفر ، خدم السكان الأصليين عبر وصفه دعاة حماة البيئة بالراديكاليين الذين يسعون إلى تقويض الاقتصاد الكندي .

" كان خطأ كبيرا وكبيرا  جدا ،  وحّد سكان بريتيش كولومبيا ضد المشروع . فكل الأقوال الخاطئة التي اتهمتنا بالراديكاليين الممولين من مصالح خارجية وكل الضغط الذي مارسته الحكومة علينا أثار غضب سكان المقاطعة .

وبالعودة إلى مارغاريت كزينوبولوس ، فهي تواصل اختباراتها ولا تتصور أن يتم التخلي عن موقع استثنائي كمنطقة البحيرات الاختبارية :

" لا يمكننا أن نصدق ، من الصعب علينا أن نصدق ما يجري ...فهم أكثر اهتماما بالصناعة وأقل اهتماما بالبيئة  وهذا برأينا سبب قرارهم بإقفال المختبر في الهواء الطلق " .

يبقى أنه بعد أشهر من المفاوضات أقدمت حكومة أونتاريو على مساعدة الباحثين فتعهدت بالمحافظة على منطقة البحيرات الاختبارية ...لكن تمويل مشاريع البحوث  يبقى المشكلة الأساسية .


المساعدات الدولية

نحن على ارتفاع أربعة آلاف متر في منطقة كيروفيلكا في جبال الأنديز شمال البيرو حيث تعمل تاماسا بازيليو ميرسيديس في تربية حيوات البكة وغزل وبرها منذ ثلاث سنوات . لكنها إضافة إلى ذلك ، تتابع دراستها في قطاع الإدارة وتحلم أن تمتلك يوما قطيعا أكبر .

" أتمنى امتلاك عدد أكبر من البكة  وأن أبيع أكثر لتأمين حياة أفضل إذ ليس هنا شيء آخر " .

وبوسع توماسا أن تحلم بفضل برنامج كندي للمساعدة الخارجية الذي يجمع منظمة فيزيون مونديال الطوعية ومؤسسة باريك غولد .

وهذا هو الوجه الجديد للمساعدات الدولية التي تعتمدها حكومة ستيفن هاربر المحافطة . مشاريع تمنح فيها الأموال لمنظمات مساعدة محلية تعمل بالتعاون مع مؤسسات كندية في الخارج .

منطقة كيرو فيلكا تبعد حوالي خمسمئة كلم شمال شرق العاصمة ليما ونصف سكانها الأربعة عشر ألفا فلاحون والنصف الآخر يسكنون المدينة ويعملون خاصة في استخراج الذهب والفضة والنحاس .. وكثرون من سكانها يعيشون في فقر مدقع .

تستثمر شركة باريك غولد المنجمية الكندية منجم ذهب لاغونا نورتي منذ العام ألفين وخمسة وتؤكد الشركة أنها تسعى إلى القضاء على الفقر عبر تعاونها مع منظمة فيزيون مونديال الطوعية في برنامج مساعدة قدمت عبره مئة وخمسين ألف دولار. أما تمويل كندا للمشروع فيبلغ خمسمئة ألف دولار .

يقول غونزاليس كيخاندريا من مؤسسة باريك غولد :  من المستحيل أن نلغي الفقر وحدنا كمؤسسة منجمية أيا كانت قيمة المساعدة التي نقدمها . نحن نسعى إلى جمع كل المعنيين بالمساعدة حتى لا يشعر سكان كويروفيلكا بأنهم معزولون ولا يمكننا تطوير علاقات جيدة مع السكان إن كنا بمفردنا ."

وتؤكد ويندي تيريان الني تعمل في منظمة فيزيون مونديال هذا المنحى :

" لقد خلق هذا التعاون حوارا بناء بين السكان أنفسهم والشركة المنجمية ".

وتنسق ويندي المشروع الذي يساعد على إطلاق شركات صغيرة من مثل تربية سمك السلمون أو معمل خياطة عبر المساعدة المالية التي تتلقاها المنظمة من الوكالة الكندية للتعاون والتنمية الدولية ، مضافا إليها ما تقدمه الشركة .  ولتعزيز هذا التعاون بين المنظمات الطوعية والشركات الكندية ، عمد رئيس الحكومة ستيفن هابر نهاية حزيران-يونيو الفائت على وضع وكالة التنمية الدولية تحت إشراف وزارة الخارجية والتجارة الدولية .

حول هذا القرار يعلق المدير التنفيذي السابق للمنظمة الكاثوليكية الكندية للتنمية والسلام روبير لوتاندر :

" ثمة أمر مؤكد . فعندما يتم دمج وكالة التنمية الدولية الهادفة إلى مكافحة الفقر في الدول الأكثر فقرا مع وزارة الخارجية فالهدف يختلف وسيكون أكثر تركيزا على العلاقات الدبلوماسية  الجيدة وتطوير العلاقات التجارية على حساب الهدف الأساسي في مكافحة الفقر ".

هذا وقد تحرك سكان المنطقة عدة مرات للتنديد بظروف عمل عمال المناجم ومرتباتهم ولكن بخاصة لانعكاس توسع منجم باريك غولد على البحيرات التي تؤمن لهم المياه .

وعن نظرة الحكومة للمساعدة الدولية تقول المحللة السياسية تاشا خيرالدين :

" أعتقد أن الحكومة تعتبر المساعدة الدولية وسيلة لتطوير الاقتصاد وحقوق الإنسان أو حق هؤلاء السكان المعذبين بالحياة سيأتي لاحقا . وهذه المقاربة مقاربة محافظة . بمعنى أنه يجب تأمين اقتصاد مستديم لكي نتمكن من تطوير حقوق الإنسان ".

وإضافة إلى مشاريع التعاون تلك ، نلحظ منحى آخر تعتمده الحكومة الكندية في المساعدة الإنسانية وهو زيادة تمويل المنظمات الطوعية  ذات الطابع الديني الإنجيلي .

يقول الجامعي فرانسوا أودي من المرصد الكندي للأزمات والمساعدات الإنسانية وصاحب دراسة حول الموضوع : ثمة أربعون منظمة تقريبا تجاهر بكونها تبشيرية تتلقى المساعدات :

" من تلك المنظمات منظمة تعمل حاليا على ترجمة الكتاب المقدس في كينيا الدولة المسلمة . ونقرأ على موقع الوكالة الكندية للتنمية الدولية أن المشروع يهدف إلى تعليم الكتابة والقراءة بينما نقرأ على موقع المنظمة أنه مشروع لتغيير الثقافة الدينية عبر الكتاب المقدس .

ويعلق بول كاريك الذي يدير وزوجته منظمة طوعية في ألبرتا :

" يجب ألا يكون للدين والسياسة والمناطقية أي دور في هذا الملف ويجب عدم تدخل مكتب رئيس الحكومة في الموضوع لكن هذا ما يجري للأسف ويجب التنديد به ". ويلاحظ كاريك منحى آخر تعتمده الحكومة . فمئات ملايين الدولارات المخصصة للتنمية الدولية لا يتم إنفاقها وعشرات المنظمات الطوعية كمنظمته تنتظر منذ سنتين  رد الحكومة الفيديرالية على طلباتها للحصول على تمويل .

"  لم نتلق أي جواب أو موعد أو وعود ، إنها الفوضى ولا يقول لنا الوزير المختص كيف  ومتى سنحصل على تمويل جديد ويقول بالمقابل : لسنا هنا لتمويل المنظمات الطوعية وهذه قلة احترام لمنظمات تساعد الفقراء منذ مئتي عام في إفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا .

وخلال زيارة ستيفن هاربر للبيرو في أيار- مايو من هذا العام لتحسين العلاقات التجارية عبرت إحدى المنظمات الطوعية الكندية الصغيرة عن قلقها على مستقبلها . يقول دانيال فانوفيرشيلد من منظمة التعاضد الدولي :

" شعرنا بوضوح أن إيديولوجية حكومة هاربر ستغير الوضع القائم قليلا ولم نحسب أنها ستغيره بصورة جذرية . نحن نسعى حاليا للبقاء وإن لم تتحسن الأحوال خلال سنة أو سنتين أعتقد أننا سنتخذ قرارا بالتوقف عن العمل الإنساني ".

يبقى أنه في بلد واحد ، هو البيرو ، يظهر بوضوح  مخطط المساعدات الكندية الدولية . فمن جهة منظمة طوعية تساعد سكان أحد أحياء العاصمة الفقيرة تنتظر بلا جدوى تجديد تمويلها من الحكومة الكندية ، ومن جهة أخرى ، منظمة طوعية تتلقى مساعدات الحكومة لبرامج تنمية إقتصادية لأن حكومة هاربر تراهن على أن التطور الاجتماعي سيأتي نتيجة للتطور الاقتصادي .


السياسة الخارجية

في تموز- يوليو عام 2006 ، وكان ستيفن هاربر على رأس الحكومة الكندية منذ ستة أشهر،

اندلعت الحرب بين إسرائيل والذراع العسكرية لحزب الله في لبنان .. إسرائيل تقصف جنوب لبنان وضاحية بيروت الجنوبية التي يسيطر عليها حزب الله الذي يرد بقصف مدن إسرائيلية بالصواريخ . بينما آلاف الكنديين احتجزتهم الحرب في لبنان ، غالبيتهم من أصل لبناني .

إنها أول أزمة دولية تواجه حكومة هاربر الفتية التي لم تتأخر في اختيار من تؤيد . فبينما نادت عدة دول إسرائيل للاعتدال في ردها ، دعم ستيفن هاربر دولة إسرائيل بدون تحفظ .

" من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها ، وأعتقد أن ردها في الظروف الراهنة موزون " .

موقف هاربر هذا لم يفاجئ المقربين منه . فقد كان دائما شديد التأييد لإسرائيل ، حتى قبل ترؤسه الحكومة .

يقول الرئيس السابق للائتلاف الوطني جيري نيكولز :

" ستيفن هاربر شديد التأييد لإسرائيل اليوم .. لكنه كان كذلك منذ اثني أو ثلاثة عشرعاما يوم عملت معه في إطار التحالف وعندما لم يكن بحاجة لتأييدها .

جيري نيكولز يعرف رئيس الحكومة جيدا قبل انتخابه عام ألفين وستة وهو يعتبر أن دعمه إسرائيل ليس بدافع ديني ، ولو أنه إنجيلي :

" كنا نتحدث بالموضوع وقال لي إن تأييده ليس مسالة دينية . تأييده نابع من كون إسرائيل تعتنق القيم الغربية لذلك كان يعتقد أن على كندا واجب الوقوف إلى جانبها ودعمها ."

وهذه العلاقات الوثيقة بإسرائيل خدمت ستيفن هاربر . فلمرتين على الأقل وافقت إسرائيل على التوقف عن القصف للسماح بإجلاء المواطنين الكنديين عن لبنان .

وفي أيلول – سبتمبر من العام 1012 نال هاربر في نيويورك جائزة رجل الدولة للعام 2012 من منظمة أميركية وطرح بوضوح موقفه من دولة إسرائيل :

" إن دعمنا لإسرائيل لا يعني بالضرورة موافقتنا على كل سياساتها . ولكن عندما يتعلق الأمر بوجودها نرفض إدانتها في المحافل الدولية ."

وبالرغم من وجوده في نيويورك ، قاطع ستيفن هاربر افتتاح الجمعية العمومية للأمم المتحدة المحاذية لمكان إقامته ...تلك الأمم المتحدة التي وصفت الرد الإسرائيلي في حرب ال 2006 بغير المتوازن .

ومن نيويورك إلى القدس حيث يتعايش اليهود والفلسطينيون في حال من التوتر المستمر .. إنه مكان حج مقدس لليهود والمسيحيين والمسلمين يأتيه الزوار من مختلف أنحاء العالم للصلاة والتأمل . من هؤلاء ريشار مارسو من المركز الاستشاري للعلاقات اليهودية والإسرائيلية :

" إن هذا التعلق بالماضي مع التطلع إلى المستقبل ، دفعني إلى اعتبار أن إسرائيل دولة يجب اكتشافها ".

لقد اكتشف ريشار مارسو إسرائيل عبر زيارتها مرارا يوم كان نائبا عن حزب الكتلة الكيبيكية بين العامين 1997 و 2006 .. فاعتنق اليهودية عام 2004 وهو سعيد جدا بموقف ستيفن هاربر من إسرائيل :

" إنها ديموقراطية حية مطوقة في بيئة صعبة جدا . وبالرغم من ذلك تمكنت إسرائيل من المحافظة على دولة القانون وبناء ديموقراطية حية تتضمن الحقوق والحريات وسلطة قضائية متينة ".

لكن هذه الصورة عن إسرائيل لا تحظى بالإجماع .

يقول فؤاد صهيون من المؤتمر الوطني للعلاقات الكندية العربية :

" إذا كنتم تسمون ذلك ديموقراطية ، فأنا أسميها تفرقة عنصرية لا أكثر ولا أقل .

" إنها ديموقراطية لليهود لا تطبق على سائر الأقليات العربية والبدوية التي تسكن فلسطين "

عائلة فؤاد ضهيون من العائلات الفلسطينية التي قررت مغادرة الشرق الأوسط بعد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 .

وفي فيلم وثائقي عن حياته يحمل عنوان " حلم فؤاد " ، يعبر عن شوقه المتوقد للعودة إلى مسقط رأسه : حيفا ... في إسرائيل .

" إن سياسة كندا تجاه إسرائيل منذ تأسيسها وحتى اليوم ، لم تتغير ، يقول فؤاد صهيون . فقد خلقت كندا إسرائيل وهي تواصل دعمها لها وحاولت لعب الورقة الإنسانية ،  ورقة اللاجئين ، ورقة المساعدة الإنسانية لكن اللهجة تبدلت بصورة مزعجة " .

في هذه البقعة من العالم ، حتى تبدل النبرة يمكن اعتباره تبدلا في السياسة . فالكل يدققون بكل خطاب بكل حركة دبلوماسية في محاولة لقراءة توجه جديد ، تغير سياسي ، ومحاولة معرفة ما إذا كان الدعم لطرف دون الآخر .

تقول الدبلوماسية الكندية السابقة ماري برنار مونييه :

" أنا لست مقتنعة بأن إعطاء الحق دائما لإسرائيل يصب في مصلحتها ".

ماري برنار مونييه شغلت منصب سفيرة كندا في عدة دول وهي تفضل أن تلعب كندا دورا أكثر توازنا في الشرق الأوسط .

وبالعودة إلى نيويورك فعلاقات ستيفن هاربر بالأمم المتحدة ليست وثيقة وقد خسرت كندا حملتها لعضوية مجلس الأمن الدولي عام 2010 .

تقول المحللة السياسية تاشا خيرالدين :

" ستيفن هاربر لا يحب الأمم المتحدة ، المحافظون لا يحبونها إذ ينظر إليها كمنظمة تهيمن عليها دول غير ديموقراطية . هي منظمة ليست فقط مجردة من السلطة إنما يجب حتى عدم منحها تلك السلطة لأنها ستستعملها ضد مصلحة الديموقراطية ، وتحديدا ضد مصلحة إسرائيل بحسب ستيفن هاربر ".

ويرى عدة محللين أنه من الواضح أن سياسة هاربر الخارجية  هي أولا وقبل كل شيء معتمدة وفقا لمصلحة السياسة الداخلية .

يقول جيري نيكولز :

هاربر لا يأبه بما يفكر به الخارج ما يهمه هو ما يفكر به الناخبون الكنديون ، وكيف سيكون مردود سياسته الخارجية على صعيد الداخل . من هنا تبدو تصرفاته متناقضة أحيانا ، فما يهمه في النهاية هو أعادة انتخابه ".

ولكن بعيدا عن هم إعادة انتخابه ، هل تمكن هاربر الذي حافظ على السلطة منذ العام 2006  من تغيير كندا وترك بصماته ؟ المواقف هنا تختلف ولا جواب موحد .

يقول المحلل السياسي بول ويلز :

" يجب أولا الاستمرار وهاربر يدرك ذلك جيدا لأنه قضى معظم حياته السياسية وهو يراقب تصرفات رئيسي الحكومة الليبيراليين السابقين بيار ترودو وجان كريتيان اللذين يكرههما وقال في نفسه يجب أن آخذ مكانهما وأحافظ على السلطة ومن ثم أترك بصماتي .

يقول المحلل السياسي دوني سان مارتان :

" أعتقد أن الإرث الكبير الذي سيتركه هو ما لا نراه أي تفكيكه السياسات البيئية وتحويله كندا إلى أداة في يد قطاع صناعة النفط في ألبرتا . أرثه الكبير إذا هو نقل السلطة إلى قطاع صناعة النفط"

من جهته يقول المحلل السياسي دانيال ليسار :

" الأمر الآخر الذي يسعى كثيرا إلى تحقيقه هو إقناع الكنديين أن خطاب اليمين ليس خطاب " التي بارتي " أو خطاب الرجعيين وأن ثمة أفكارا يمينية جيدة ويمكن اعتمادها والدفاع عنها وأن بامكان كندا أن تميل من وقت لآخر ناحية اليمين دون أن يتسبب ذلك بخرابها ."

يقول جيري نيكولز :

" إن عبقرية هاربر تكمن في إدراكه كيفية مخاطبة الكنديين في الأمور التي تهمهم : حفظ القانون والنظام ، إسرائيل ، الاعتزاز بالقوات المسلحة ، السياسة الخارجية المتصلبة . والكنديون كانوا دائما تواقين لسماع تلك الأمور ولا أحد كا يخاطبهم بهذه اللغة أما هاربر فيعرف كيفية مخاطبتهم ".

وثمة أمران يجمع عليهما عشرات الأشخاص الذين التقيناهم : ستيفن هاربر يسعى جهده للاحتفاظ بالسلطة ، للاستمرار ودفع الكنديين شيئا فشيئا للموافقة على سياساته المحافظة ، ويأمل بتحقيق ذلك عبر دفع الكنديين إلى تناسي إرث الليبيراليين الذين سبقوه .

فئة:سياسة
كلمات مفتاحية: