Photo Credit: القصة الوطنية للعالم الاجتماعي / برنار دوشين

مجموعات السكان الأصليين: قبائل الألغونكان والقدرة على قهر الصعاب

استمعوا

سكان كندا الأصليون الذين كانوا يعرفون بهنود أميركا الشماليّة هم في الواقع مجموعات لغويّة وثقافيّة متنوعّة ومختلفة عن بعضها البعض كانت لها خصوصياتها قبل وصول المستكشفين الأوروبيين مطلع القرن السادس عشر إلى سواحل الشمال الأميركي.

الصحافي في راديو كندا الدولي ريمون ديمارتو يسعى للتعريف بهذه المجموعات من خلال مقابلة اجراها مع الصحافي وعالم الانثروبولوجيا سيرج بوشار الذي يتحدّث عن عالم قائم بحدّ ذاته يضم مجموعات مختلفة كانت تعد بعشرات الآلاف قبل وصول المستكشف الأوروبي.

ويشير إلى أن قبائل الألغونكان كانت كبيرة العدد ومنتشرة فوق مساحات واسعة توازي ثلث مساحة أميركا الشماليّة قبل 500 عام ويضيف :

كانت مجتمعات الألغونكان قائمة من دون دولة ، وكانت منظّمة للغاية ولكنها لم تطوّر أنظمة سياسيّة دولتيّة. والأمر مستغرب عندما نفكّر بالزعماء من السكان الأصليين.

فعندما وصل المستكشفون الفرنسيون والبريطانيون والهولنديون ، أول ما كانوا يقومون به هو البحث عن زعيم بهدف التعرّف إليه.

وواقع الأمر أنه لم يكن هنالك زعماء يقول سيرج بوشار بل كانت هنالك شخصيات بارزة تتمتع بالكاريسما فضلا عن السحرة الذين لهم موقعهم  ، ولكننا لم نكن نجد لدى هذه القبائل هرميّة على غرار تلك التي نجدها في الدولة.

ويتابع عالم الانثروبولوجيا سيرج بوشار فيشير إلى أن هذه القبائل الرحّل كانت تعيش على الصيد البري والبحري. وكان مسكنها الطبيعي في الغابات وعلى ضفاف الأنهار والبحيرات يؤهلها لذلك ويضيف شارحا:

يكمن سر هذه المجتمعات في ليونتها وقدرتها على التأقلم والتحرك في محيطها الطبيعي وقدرتها على مواجهة كل المستجدات.

فهي كانت تواجه على سبيل المثال حرائق الغابات وهجرة الحيوانات لها وسواها من الحالات الطارئة. ولهذا السبب، لم تكن قبائل الألغونكان مهتمّة بتطوير هرميّة داخل مجتمعاتها.

وكان أبناء القبيلة جميعا يتشاركون العمل ويتقاسمون المهمات ويعتمدون الليونة في مواجهة الحالات الطارئة.

وهذه هي ميزة القبائل الرحّل التي تسعى لاستثمار محيطها على أفضل وجه وتبحث عن أفضل الوسائل الممكنة للإفادة منه.

وقد طوّرت قبائل الألغونكان مهارات في مجالات الصيد والتنقل وسط الغابات ونقل كل ممتلكاتها من الخيم وما تحويه من أمتعة وحاجيات في ترحالها.

ويتابع عالم الانثروبولوجيا والصحافي المخضرم في راديو كندا سيرج بوشار فيقول إن واقع القبائل الرحّل حول العالم وأوضاعهم الصحيّة  كانت أفضل مما تناقلته كتب التاريخ ويضيف شارحا:

المستعمرون والمنتصرون ورجال الدين هم الذين كتبوا تاريخ هذه الشعوب. وكان ثمة ميل لتشويه تاريخ القبائل المرتحلة ، وهذا ما حصل في اميركا الشماليّة حيث كانت هنالك نظرة شفقة إلى هؤلاء الهنود المشرّدين الذين يتنقلون في الغابات المظلمة بعيدا عن الحضارة وبعيدا عن الايمان بالله.

لكن  العديد من المستكشفين أدركوا فيما بعد أن هناء عيش السكان الأصليين يعود إلى معرفتهم الوثيقة والقديمة بالطبيعة، وقدرتهم على التآلف معها أيا تكن الظروف.

وهذا التآلف أكسبهم الصحة والمقدرة الجسديّة المميّزة ومكّنهم من مواجهة الطقس القارس البرودة  يقول سيرج بوشار ويضيف بالقول:

عندما ندرس تاريخ  ثقافة هذه القبائل  بأبعاده الإتنولوجية  والأنثروبولوجيّة  نقف مذهولين أمام براعتها وعمق معرفتها. فهي لم تكن في خطر ونجحت في التغلّب على الثلج والمياه والشلالات.

وهي كانت قادرة على الإبحار في مياه عاصفة وعلى مقاومة البرد القارس من خلال تطوير ملابسها بطريقة تحميها وتحمي كافة أبناء القبيلة في كافة تفاصيل حياتهم اليوميّة وطريقة عنايتهم بالأطفال ومعالجة المرضى .

باختصار، يمكن الحديث عن مهارة وقدرة ومؤهلات تجلّت بصورة يوميّة لدى قبائل الألغونكان التي نجحت في السيطرة على محيطها دون تغييره.

ويتابع سيرج بوشار فيقول إن مفهوم العائلة المؤلفة من الأب والأم والأولاد لم يكن كالمفهوم التقليدي بل كانت العائلة جزءا من الكل. وكانت هنالك مجموعة من العائلات تقيم معا لسنوات طويلة وأحيانا على مدى العمر.

وكانت كلها تتعاون فيما بينها وتتشارك في المهمات وفي تدبير سبل عيشها. ولم يكن هنالك تمييز لناحية السلالة بين القرابة من جهة الأب او من جهة الأم.

وكان الجميع يعيشون بتناغم وكانوا مقتنعين بأهميّة التعاضد وبأن الخلافات والانقسامات تقود إلى المجاعة وإلى الموت.

وكانت لديهم قواعد أخلاقيّة يحرصون على احترامها ولم تكن الجريمة منتشرة في مجتمعاتهم، وكانت تعاقب بإبعاد مرتكبها وعزله عن المجتمع.

والإبعاد كان بمثابة حكم بالإعدام لأن الفرد يعجز عن الاستمرار بعيدا عن إطار المجموعة.

وقد ادرك الألغونكان عمق المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم لتأمين حياتهم وحياة أولادهم وأهمية الحفاظ على صحتهم ونقل كل معرفتهم في هذا المجال للأجيال اللاحقة.

ويختم الصحافي وعالم الأنثروبولوجيا سيرج بوشار مشيرا إلى أن قبائل الألغونكان تمتّعت بالحكم الذاتي وأكّدت عليه في وجه المستكشف الأوروبي وعلى أنها قادرة على الاستمرار من دونه ، مع حرصها على التعرّف إليه وإلى بعض ما حمله من تقنيّات جديدة غريبة عمّا كان سائدا لديها.

 

فئة:السكان الأصليون
كلمات مفتاحية:،

هل لاحظتم وجود خطاّ ما؟ انقر هنا!

لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.