جدة الصحافية ، المرأة الوحيدة المتخرجة من جامعة حلب عام ثمانية وثلاثين

جدة الصحافية ، المرأة الوحيدة المتخرجة من جامعة حلب عام ثمانية وثلاثين
Photo Credit: من أرسيف ريما الخوري / لا بريس

” وداعا تيتا ”

تحت عنوان : " وداعا تيتا " كتبت الصحافية في لا بريس ريما الخوري مقالة مؤثرة  في رثاء جدتها :

لن تقرأ جدتي هذه المقالة لأنها انطفأت هذا العام في هذا البلد الذي أصبح بلدها في وقت يموت فيه وطنها الأم : سوريا . ماتت بسلام بعد حياة طويلة وجميلة ... التاس يهاجرون ليعيشوا بسلام ولكن أليس أيضا لكي يموتوا بسلام ؟

لقد عاشت جدتي اثنين وتسعين عاما قضت نصفها في حلب ونصفها الآخر في مونتريال حيث بدأت حياتها من الصفر .

لطالما تحدثت عنها في مقالاتي وتعلق بها بعض القراء إلى درجة أن يستفسروا مني عن أخبارها. وتتابع ريما الخوري : كنت أحب نظرتها الفريدة للعالم ، كنت أحب الجسور التي كانت تمدها بين الشرق والغرب ، كنت أحب النور المنبعث من عينيها وهي تتحدث عن الهوكي ، كنت أحب روائح مطبخها عندما كانت تخبز الخبز والكليشا ...

شخصيتها القوية كانت تثير دائما إعجابي . في العام سبعة وستين تبعت حلم جدي نعيم بالهجرة بعد نجاته من مذابح الأرمن وأعادت تكوين حياتها من جديد ولم يكن الأمر سهلا دائما فقد توفي جدي بعد سنتين من وصوله إلى الغربة تاركا تيتا وحدها مع الثلوج وأولادهم الأربعة .

لقد كانت دائما فخورة بأولادها الأربعة وأحفادها الإثني عشر وأبنائهم العشرين وبفضلها تمكنوا جميعا من العيش بحرية في بلد مسالم حيث كل الأحلام ممكنة أوليس هذا أثمن ما في الحياة ؟

وتتابع ريما الخوري رثاءها لجدتها :

كنت مسافرة بعيدا عندما نقلت إلى المستشفى واتصلت بي والدتي لتقول لي : " إذا شئت أن تكلميها اتصلي الساعة الواحدة " ولم تضف " للمرة الأخيرة " لكنها كانت تعرف ذلك وأحسست أنا أيضا بذلك .

واتصلت بها مرتجفة وكان صوتها أكثر ثباتا من صوتي . ماذا نقول لمن نحب عندما ندرك أننا لن نراهم أبدا ؟ وسألتها عن صحتها ، وليس السؤال مؤاتيا في مثل هذه الظروف ، فأجابتني :

 " أحاول التحلي بالحكمة " وأضافت : " اشتقت إليك ، أين أنت " ؟ فأجبتها : " أتحدث معك وأنا أنظر إلى البحر ، لو تعرفين كم هو جميل " وطرحت علي عدة أسئلة عن تفاصيل السفر وأخبار الأولاد وهي تدرك أن الموت يدق بابها . " سأعود قريبا " قلت لها " في أقل من أسبوع " فأجابتني " لكن ذلك يبدو لي بعيدا " " راح الكتير وبقي القليل " أجبتها بلغتي العربية المكسرة  فضحكت كانت دائما تضحك عند تحدثي بالعربية لكني أعتقد أنها ضحكت هذه المرة لتمنعني عن البكاء ..

وهكذا انتهت مكالمتنا ، بضحكة كبيرة وأقفلت الهاتف وأنا أنظر إلى البحر  وبعدها بقليل توقف قلب تيتا عن الخفقان  وانكمش قلبي وعدت إلى مونتريال لدفنها ... وفكرت ، وأنا أضع زهرة على ضريحها ، أني كنت محظوظة بالعيش معها طوال كل تلك السنوات .

فئة:مجتمع، هجرة ولجوء
كلمات مفتاحية:

هل لاحظتم وجود خطاّ ما؟ انقر هنا!

لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.