سكان كندا الأصليون الذين كانوا يعرفون بهنود أميركا الشماليّة هم في الواقع مجموعات لغويّة وثقافيّة متنوّعة ومختلفة عن بعضها البعض كانت لها خصوصياتها قبل وصول المستكشفين الأوروبيين مطلع القرن السادس عشر إلى سواحل الشمال الأميركي.
الصحافي في راديو كندا الدولي ريمون ديمارتو يسعى للتعريف بهذه المجموعات من خلال مقابلة اجراها مع الصحافي وعالم الانثروبولوجيا سيرج بوشار الذي يتحدّث عن عالم قائم بحدّ ذاته يضم مجموعات مختلفة كانت تعد بعشرات الآلاف قبل وصول المستكشف الأوروبي .
ويشير إلى وجود تسع قبائل تضم العديد من المجموعات الثقافيّة واللغويّة من بينها قبيلة دينيه اتاباسكا التي كانت مستقرّة في أقاليم الشمال الغربيّة في الشمال الكندي الكبير، في منطقة الغابات الشماليّة ويتابع قائلا:
لم تكن هذه المجموعة الثقافيّة معروفة كثيرا في كندا لأنها كانت تقيم بعيدا عن المناطق المأهولة من الأغلبيّة، إلى غرب خليج هدسون وخليج جيمس.
وعلى غرار قبائل الاينويت والكري ، كانت ثقافة قبائل دينيه مذهلة خصوصا وأن ابناءها نجحوا في التأقلم مع طبيعة صعبة وقاسية يقول بوشار ويضيف:
لقد استفادوا من هذه الطبيعة التي استقروا فيها وكانوا يتنقلون في الأراضي الشاسعة لملاحقة القطعان وصيدها. وكانوا مضطرين لاتباع تنقلات قطعان حيوان الكاريبو والطرائد التي يصطادونها. ومارسوا كذلك الصيد البحري ولاسيما صيد الأسماك.
وتميّزت قبائل دينيه بأسمائها التي كانت احيانا من خلفيّة فرنسيّة، وقد اقتبسوها عن المغامرين وتجار الفراء و"عدائي الغابات" الذين كانوا صيادين وناصبي فخاخ ومترجمين يعملون مع بعثات المستكشفين.
وثمة ميزة أخرى وهي أن مجموعات من هذه القبائل ابتعدت عن الشمال الكبير واتجهت جنوبا نحو مقاطعتي البرتا وبرتيش كولومبيا.
واتجه قسم منهم نحو الولايات المتحدة، من بينهم قبائل الأباش وقبائل نافارو يقول سيرج بوشار و يضيف:
إنها مجموعات من السكان الأصليين معروفة حول العالم ، ليس لأنها استقرّت في الولايات المتحدة وإنما لأن عددها كبير ويصل إلى نحو مائة ألف شخص، ما يعتبر رقما كبيرا بالنسبة للسكان الأصليين. و تتحدّر المجموعات هذه من قبيلة دينيه أتاباسكا.
وبالعودة إلى ابناء القبيلة في أقاليم الشمال الغربيّة، فقد كانت علاقاتها متوتّرة مع قبائل الكري. وكانت هذه الأخيرة تسعى للحفاظ على حق حصري في التعامل مع المستكشفين الانكليز ومنعتهم من دخول أراضي قبائل دينيه.
ويتابع عالم الانثروبولوجيا والصحافي المخضرم في راديو كندا قائلا:
الكنديون الفرنسيون هم الذين دخلوا أراضي قبائل دينيه واستخدموا كالعادة ذريعة الزواج. وهذا ما يفسّر كون العديد من أبناء هذه القبائل يحملون أسماء كنديّة فرنسيّة من أشهرها ربما عائلة بوليو. وقلّما نجد أسماء كنديّة فرنسيّة في الغرب الكندي.
وكان ابناء قبيلة دينيه موزعين فوق مساحات الأراضي ويعيشون في مجموعات عائليّة ويستخدمون الطبول للتواصل مع الارواح يقول بوشار ويتابع بالقول:
ما زال هنالك اليوم العديد من مهرجانات قرع الطبول والمقصود هنا ليس الطبل المنفرد بل الإيقاعات المميّزة التي ترتفع تدريجيا وتوحي كما لو أننا في جزر الكاريبي.
وقبائل دينيه تحب الصلاة والتأمّل وتميل إلى التعمّق في الروحانيات. وتستخدم إيقاع الطبول وتستوحي إيقاعاتها من دقات القلب، ويرمز الطبل بالنسبة لها إلى استمراريّة المسيرة.
والروحانيّة تلك ما زالت موجودة حتى اليوم ويؤكّد أبناء القبيلة عليها يقول سيرج بوشار الذي يضيف شارحا ما قاله أحدهم في العام 1975 لمراقبين أجانب:
عندما طرح المراقبون السؤال عليهم حول البروتستانتيّة والتيارات الدينيّة الحديثة والكاثوليكيّة، أجاب احدهم وهو رجل مسن ضرير باننا روحانيون لدرجة لسنا معها متدينين.
ويتابع بوشار مشيرا إلى اتحاد بين قبائل دينيه والطبيعة الذين يشعرون بأنهم هم الطبيعة وهم في داخلها في آن معا.
ويختم الصحافي وعالم الأنثروبولوجيا سيرج بوشار حديثه فيؤكّد أن ابناء قبيلة دينيه اتاباسكا هم أبناء الطبيعة وأبناء غابات الشمال التي تمتد فوق مساحات شاسعة في الشمال الكندي الكبير. وثقافاتهم ولغاتهم ونمط عيشهم شبيهة إلى حد كبير بثقافة قبائل السكان الأصليين الذين اتخذوا من الشمال القطبي موطنا لهم.
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.