تحت عنوان " تونس : العودة إلى الربيع " ، علقت الصحافية الكندية في لا بريس أنييس غرودا على المصادقة على الدستور التونسي الجديد . فرأت أن التونسيين تنفسوا الصعداء بعد ثلاث سنوات من التشنج والاغتيالات والخلافات السياسية الحادة . ذلك أن بلدهم تبنى أخيرا دستورا جديدا يسمح بالنظر إلى المستقبل بتفاؤل ويكذب المتشائمين الذين اعتقدوا أن مصير الربيع العربي هو الفشل في كل الدول .
وتتابع غرودا : إن نجاح الدستور الجديد هو أولا نجاح كميّ : فقد حظي بتأييد مئتين من أصل مئتين وستة عشر نائبا في المجلس التأسيسي ما أثبت أن بمقدور النواب المنتمين إلى مختلف التيارات السياسية من يمين ويسار مرورا بالإسلاميين الاتفاقَ على مسائل جوهرية من مثل مكانة الدين ومساواة المرأة بالرجل والحريات الفردية ، وهذا أمر بالغ الأهمية . أما على الصعيد النوعي فالدستور يضع مبادئ ترسخ الحداثة والديموقراطية في البلاد . فهو يقر بأن الإسلام دين الدولة دون أية إشارة إلى الشريعة مع تأكيده على مبادئ المساواة وحرية التعبير والضمير.
إن دراسة بنود الدستور أدت إلى مناقشات حادة والمداولات تبدو لنا من بعيد سوريالية من مثل هل يجب أن يمنع الدستور اتهامات الكفر والردة ؟ هل يجب على الدولة حماية المقدسات ؟ وبعض التسويات التي تم التوصل إليها متناقضة : فمثلا بحسب الدستور الجديد على الحكومة حماية الدين وفي الوقت نفسه حرية الضمير .
وتؤكد أنييس غرودا أنه بالرغم من أن الدستور ليس كاملا فأهميته تكمن في الموافقة عليه وبغالبية ساحقة منحته شرعية لا يرقى إليها الشك . والأمر المهم كذلك موافقة إسلاميي النهضة على تقديم تنازلات ، ما يعني أن الجميع خرجوا منتصرين .
ولعل الأهم في كل هذا المسار ، أن التونسيين بات لديهم ، وللمرة الأولى منذ سقوط نظام بن علي ، سيناريو أو خطة للأشهر المقبلة ما يعني جلب الاستثمارات من جديد وانتعاش السياحة ربما . فخلال زيارتي إلى تونس الربيع الماضي ، تتابع غرودا ، رأيت البلاد ممزقة جراء التوترات وخاضعة لمشيئة الإسلاميين الأكثر راديكالية ولمست إحباطا وتضخما وبطالة . صحيح أن الدستور الجديد لن يزيل هذه المشاكل بضربة عصا سحرية لكن الأمل في هذا البلد المتصالح مع نفسه يبدو من جديد ممكنا .
والوضع التونسي حاليا يتناقض كليا مع الأوضاع في ليبيا التي تتفكك جراء العنف ومصر حيث تبدو الديموقراطية بعيدة المنال .
وتخلص أنييس غرودا مقالتها في لا بريس إلى القول : تونس كانت أول من أطلق الثورات العربية وهي كذلك أول من أثبت أن هذه الانتفاضات يمكن أن تؤدي إلى شيء مختلف عن سفك الدماء والفوضى . والأمل أن يستمر هذا الوضع وتنتقل العدوى إلى الجوار ، تختم أنييس غرودا .
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.