سكان كندا الأصليون الذين كانوا يعرفون بهنود أميركا الشماليّة هم في الواقع مجموعات لغويّة وثقافيّة متنوعّة ومختلفة عن بعضها البعض كانت لها خصوصياتها قبل وصول المستكشفين الأوروبيين مطلع القرن السادس عشر إلى سواحل الشمال الأميركي.
الصحافي في راديو كندا الدولي ريمون ديمارتو يسعى للتعريف بهذه المجموعات من خلال مقابلة اجراها مع الصحافي وعالم الانثروبولوجيا سيرج بوشار الذي يتحدّث عن عالم قائم بحدّ ذاته يضم مجموعات مختلفة كانت تعد بعشرات الآلاف قبل وصول المستكشف الأوروبي .
ويشير إلى وجود تسع قبائل تضم العديد من المجموعات الثقافيّة واللغويّة من بينها قبائل الغرب الكندي المقيمة على سواحل المحيط الهادئ وفي منطقة الجبال الصخريّة المعروفة بالروكيز.
و القبائل تلك متعدّدة يقول سيرج بوشار ويضيف:
في طليعة هذه المجموعات نذكر قبائل هايدا المعروفة عالميا لأسباب عديدة، وقبائل ساليش الموزّعة بين الساحل والجبال وقبائل شينوك.
ويمكن تعداد خمس وثلاثين قبيلة تقيم في غرب البلاد . والملفت في الأمر كما يقول سيرج بوشار أن لهذه القبائل لغاتها التي ما زالت متداولة حتى يومنا هذا من قبل أقليات من ابناء السكان الاصليين.
ويتابع الصحافي المخضرم في راديو كندا وعالم الانثروبولوجيا سيرج بوشار قائلا:
لقد سحرت هذه الشعوب مخيّلة المستكشفين والمراقبين خصوصا وأنه تم اكتشافها في مرحلة متأخّرة. هذا علما أن اكتشاف القارة الاميركيّة من قبل الاوروبيين استغرق مائتي سنة.
فهم وصلوا مطلع القرن السادس عشر إلى سواحل الأطلسي في الشرق وبلغوا سواحل الغرب المطلّة على الهادي بعد نحو مائتي سنة ووجدوا فيه مجموعات أخرى من السكان الأصليين.
ولاحظ الأوروبيون أن هذه المجموعات المقيمة في الغرب غنيّة ولديها طريقة عيش مذهلة ومختلفة عن طرق عيشهم في اوروبا.
وكان أبناء هذه القبائل يجمعون كميات هائلة من المواد والغلال كما يقول سيرج بوشار الذي يضيف:
لم تكن لديهم كل سنة موازنة فدراليّة او موازنة سنويّة ولم تكن لديهم ضرائب يدفعونها. وبدل ذلك كانوا يجمعون الفائض لديهم في نهاية السنة في الساحة العامّة ويقومون بحرقه وينطلقون من جديد من الصفر.
وقد صعب على الأوروبيين أن يفهموا هذا الهدر في المال والممتلكات. ولكن السكان الأصليين كانوا ينظرون إلى الأمر على أنه مباراة يسعى كل واحد منهم باستمرار من خلالها لأن يكون الأغنى.
وكانوا يرفضون في الوقت عينه أن تتكدّس الثروات، وكانت ثقافتهم تقضي بمحاربة الهرميّة الاجتماعيّة القائمة على أساس الثروة. وكانوا يتبادلون الممتلكات والخيرات وفق ما يسمى بنظام "بوتلاتش".
واشتهرت هذه القبائل أيضا بالطواطم وكانت تحرص على استمرار ذاكرة الأسرة شفهيا وماديا وتعتبر أن كل الأسر وكل الكائنات البشريّة تعود بالأصل إلى الحيوانات يقول سيرج بوشار ويضيف:
كانت هذه القبائل مهووسة بالغراب وبالنسر وكانت لديها حيوانات رمزيّة. وهذا أدى إلى تطوير ظاهرة يعتبر البعض أنها تخص السكان الأصليين جميعا في الشمال الأميركي ولكنها منتشرة فقط لدى قبائل الغرب وهي ظاهرة الطوطم المنحوت.
والطوطم المنحوت والملوّن هو بطريقة ما تعبير ثقافي ولغة مكتوبة بالحجر تروي قصّة مجتمع وقصة أبنائه والأجداد بصورة رائعة.
ويتابع بوشار فيقول إن قبائل الغرب تعيش في غابات غنيّة ساحرة الجمال ومميّزة بأشجارها الشاهقة التي حوّلتهم إلى نجّارين مهرة.
وقد بنوا بيوتهم من الخشب على ركائز متينة وكانت تتألّف من عدّة طوابق وكانت أبوابها منحوتة.
وبنوا أيضا القوارب الكبيرة الضخمة الشبيهة بقوارب الأوروبيين في ضخامتها والتي كانت أيضا منحوتة.
ويمكن القول باختصار إنهم طوّروا فن النحت وفن استخدام الألوان وكانت فنونهم في مصاف الفنون الأوروبيّة وفق ما يقوله العديد من علماء الانثروبولوجيا. وأصبح لهذه الفنون مركزها في كبريات المتاحف حول العالم.
وأتقنوا ايضا فن الرّقص وفن المسرح الخاص بهم والذي استخدموا فيه الأقنعة وفن قراءة الشعر على غرار العديد من الشعوب القديمة يقول سيرج بوشار.
ويشير إلى اكتشافات أثريّة لأدوات من الفخار صينيّة ما يعني أن قبائل الغرب الكندي أقامت ربما علاقات تبادل تجاري وثقافي مع الصين.
وفي ختام حديثه لراديو كندا الدولي يؤكّد عالم الانثروبولوجيا والصحافي في راديو كندا سيرج بوشار أن المتاحف وعلماء الانثروبولوجيا بذلوا جهدا كبيرا للحفاظ على هذا التراث الثقافي الغني بتعدّديته، وحمايته من الاندثار.
.
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.