"تاثير التأطير" مفهوم سيكولوجي يتحدّث عنه الدكتور غاد سعد رئيس كرسي الدراسات حول علم النفس التطوّري واستاذ التسويق في معهد جون مولسون في جامعة كونكورديا في مونتريال.
وشارك الدكتور سعد في دراسة تهدف لتقييم منتجات الاستهلاك والعوامل التي تدفع بالمستهلك إلى القيام بخياراته.
وتطرّقت الدراسة بصورة خاصّة إلى العوامل التي يستند إليها الرجل والمرأة لاختيار شريك حياته.
وانطلقت الدراسة من سؤال بسيط حول كيفيّة اختيار وجبة هامبرغر وتقييم الخيار انطلاقا من معايير معروضة في إطار ما يسمّى تأثير التأطير.
ويشرح الدكتورغاد سعد في مقابلة أجريتها معه المفهوم فيقول إن الأبحاث التي جرت على مدى ثلاثة عقود أظهرت أن طريقة تأطير المعلومات لها تأثير واضح وأكيد على تقييمنا للأمور ويضيف بالقول:
إن قلت على سبيل المثال إن قطعة هامبرغر تخلو من الدهون بمعدّل 90 بالمائة، فهذا يعني تماما القول إنها تحوي 10 بالمائة من الدهون.
ونتوقّع منطقيا أن ينجم عن المقولتين تقييم واحد. لكن التقييم يختلف في الواقع تبعا لتأطير المعلومات بصورة إيجابيّة او سلبيّة.
ويتابع الدكتور سعد فيقول إنه انطلاقا من هذه المعطيات، توسّع في تطبيق مفهوم تأثير التأطير ليشمل كيفيّة اختيارنا شريك حياتنا، وتبيّن ان الرجال والنساء يخضعون لتأثير التأطير بصورة مختلفة.
ويعطي المثال التالي: إن قال7 من أصل 10 أشخاص إن هذا المرء ذكيّ، يمكن أن نقول بالمعنى نفسه إن كل 3 من أصل 10 اشخاص يقولون إنه ليس ذكيّا. والمرأة في هذه الحالة تتأثّر اكثر من الرجل بالتأطير السلبي للمعلومة.
ولكن كيف يمكن تفسير هذا الفرق في التجاوب مع مفهوم تأثير التأطير بين الرجل و المرأة؟
يجيب الدكتور غاد سعد بأن الدراسة استندت إلى مبدأ علم التطوّر البيولوجي وتحديدا إلى نظريّة استثمار الوالدين القائلة بأن من يقدّم الاستثمار الأكبر يكون حذرا في خياراته.
والفروقات البيولوجيّة تلعب دورها ،من إنتاج البويضات لدى المرحلة الإنتاجيّة من حياة المرأة إلى قذف مئات ملايين الحيوانات المنويّة كلّ مرّة من قبل الرجل، فضلا عن أن المرأة تتحمّل العبء الأكبر في الاهتمام بالطفل وتواجه مشكلة وفيات الولادة كما يقول الدكتور سعد ويضيف قائلا:
لكل هذه الأسباب يميل استثمار الوالدين نحو المرأة، ولهذا السّبب يتعيّن على المرأة ان تكون حذرة في خياراتها. وهذا دفعنا للاعتقاد بأن المعلومات التي يتمّ تأطيرها سلبيّا هي بمثابة مؤشّر لسيكولوجيّتها وأنها بالتالي تخضع لتأثيرها.
هنا سألت الدكتور سعد إن كان يقصد أن العوامل البيولوجيّة تساهم في تفسير سلوك الإنسان فأجاب مؤكّدا على أهمّية البعد البيولوجي وأضاف بأن علم الاجتماع طالما رفض الاعتراف بأهمّيّته.
فعلماء الاجتماع يؤكّدون على أهمية البيولوجيا لتفسير تصرّف الحيوانات، ولكنّه من السّخف أن يرفضوا اعتمادها لفهم سلوك الإنسان.
والاعتبارات البيولوجيّة والثقافيّة تتداخل فيما بينها لتفسير السلوك يقول الدكتور جاد سعد .
ولا يمكن الاستخفاف إطلاقا بالأبعاد الثقافيّة لأن الانسان لا يكبر وينمو في فراغ وثمة فروقات شخصيّة بين إنسان وآخر وفروقات في بيئته ومحيطه. وسلوك الانسان هو نتيجة للتفاعل بين هذين البعدين.
ويشير الدكتور سعد إلى أن الدراسة التي اجراها حول معايير اختيار شريك الحياة استندت إلى 6 مواصفات تهمّ الرجال والنساء معا ويضيف شارحا:
هنالك معياران يهمّان الرجل وهما الوجه الجذّاب والجسم الجذّاب ومعياران يهمّان المرأة وهما الطموح والقدرة على جني المال. ومعياران يهمّان الاثنين وهما اللطافة والذكاء.
ويضيف أنه تمّ تأطير المعلومات سلبيا وإيجابيّا للمعلومة الواحدة. وتبيّن أن المرأة تتأثّر بالمعلومة المهمّة بالنسبة لها كالطموح وقدرة الكسب. ويتأثّر الرجل بالمعلومة التي يرى أنها مهمّة بالنسبة له كجاذبيّة المرأة.
وهذا تفسير منطقي بالمعنين التطوّري والبيولوجي يقول الدكتور سعد.
ويضيف ردّا على سؤالي بأن الدراسة تجد تطبيقات عديدة لها في يوميّاتنا وفي كل ما نختاره من أبسط الأشياء إلى أهمّها.
وهي مهمّة لصنّاع السياسة كما للمعلنين لأن تأطير المعلومة قد يدفع بنا للقيام بشيء ما او الامتناع عن القيام به.
وثمّة عودة إلى الأصول و إلى البعد البيولوجي يقول الدكتور جاد سعد ويتابع بالقول:
خلال نحو 20 عاما من الأبحاث توصّلت إلى ما اسميته مفهوم الاستهلاك التطوّري الذي يسعى لإدخال علم الأحياء لفهم سلوكنا كمستهلكين.
وأكثر من ذلك، اسعى لإدخال البيولوجيا إلى معهد الأعمال.
فمن غير المنطقي أن ندرس علم النفس الإداري وعلم نفس الموظّف والمستهلك دون ان نعترف بأبعادهم البولوجيّة.
باختصار، يختم الدكتور غاد سعد ، الثقافة مهمّة والبيئة مهمّة والمؤكّد ايضا ان البيولوجيا مهمّة هي الأخرى.
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.