التقت النخبة السياسية والفنية لمدينة مونتريال اليوم الجمعة في مقرِّ بلدية مونتريال في وسط المدينة الكوسموبوليتية لتكريم أحد أشهر رواد المسرح الكندي الفرنسي بول بويسونو وذلك لمناسبة منحه لقب المواطنية الفخرية لمدينة مونتريال. ولم يتوان بول بويسونو حتى وهو في حفل رسمي عن التندر على نفسه ومن عّرف بروح النكتة والهزل والدعابة في كتابته ومسرحه لا يمكنه أن يتغيّر بعد مضي نحو من تسعين عاما في روزنامة عمره. لذلك لم يكن مستغربا على الحضور السياسي والإعلامي والفني الذي شارك اليوم في تكريم الرائد المسرحي الكبير في بلدية مونتريال سماع بويسونو يتندر على سمنته حين قال: "قالوا بأنني مونتريالي كبير ولكن الأصح بأنني مونتريال ضخم وبدين."

مونتريال فخورة اليوم بهذا العبقري الفرنسي الذي استوطن فيها منذ منتصف القرن الماضي ليؤسس فيها مسرحيين رياديين, الأول هو مسرح الرولوت الجوال للأطفال والثاني هو مسرح القروش الأربعة وهو من أعرق المسارح الكندية الفرنسية على الإطلاق وقد كان وجدي معوض المسرحي الكندي اللبناني أحد المدراء الذين تعاقبوا على إدارة هذا المسرح العريق.
ولد بويسونو في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر من العام 1926 في بيت فقير في باريس. توفي والداه عندما كان صغيرا وأضطر إلى العمل وهو في ربيعه الرابع عشر. اختار بويسونو منذ نعومة أظفاره العمل في كواليس المسرح والديكور لينشأ على حب الفنون المسرحية وسينضم في العام 1946 إلى رفاق الأغنية الجوالين الذين كانوا ينشدون الألحان والاغنيات في الأزقة والطرقات, وقد تعرّف بويسونو في هذه الحقبة على النجمة الفرنسية إديت بياف وغنى معها, هذا ويفاخر بويسونو بأنه تصارع مع المصارع الفرنسي الشهير عشيق إديت بياف في تلك الحقبة مارسيل سيدران.
ولعّل قدوم بول بويسونو إلى مونتريال لم يكن عاديا على الإطلاق لأن من سيرافقه إلى المدينة التي منحته بعد أكثر من ستين عاما لقب المواطنية الفخرية, هي إديت بياف بذاتها كما يقول في كتاب السيرة الذاتية. وستكون مونتريال هي الوجهة الأخيرة التي حط فيها رحال هذا الفنان الجوال في العام 1950 وسيكتمل فيها عالمه الأرحب !
توكل إلى بويسونو في مونتريال مهام إحياء مسرح للأطفال وإدارة "الرولوت" الجوالة التي كان تجمع حولها الأطفال في الحدائق العامة وتنتقل من حديقة إلى أخرى وذلك طيلة 35 عاما. وكان بويسونو يعلّم الأطفال ويهّذب حسهم الفني وقد تتلمذ على يده عدد من الفنانين الذين حققوا الشهرة فيما بعد نذكر منهم: إيفون ديشان وكليمنص ديروشيه وروبير شارلبوا وغيرهم.

في العام 1956 يطلق بويسونو شخصية المهرج بيكولو للتلفزيون, هو الكاتب والمخرج والممثل في آن, شخصية حصدت نجاحا كبيرا في مقاطعة كيبيك. في العام 1965 يؤسس بويسونو مسرح القروش الأربعة إلى جانب كلود ليفييه وإيفون ديشان. أخرج أكثر من 125 عمل للمسرح والتلفزيون وأصدر سيرة ذاتية, حائز على عدة جوائز كندية محلية وعالمية بينها جائزة حاكم كندا العام لفنون المسرح في العام 1998.
لم يأخذ بول بويسونو الحياة على محمل الجد ولا مرة في حياته ولم يشخ أو يكبر على الحركات البهلوانية "الصبيانية", طفل دائما وأبدا حتى الموت استهزأ بويسونو به وهو وضع السيناريو والإخراج لجنازته ودفنه ومن الأمور التي يريدها في يوم تشييعه إقامة معرض صور عن حياته أما الموسيقى التي يريد سماعها فهي ترانيم كريول لجوقات غوسبيل سوداء ويضيف بويسونو أنه لا ضرورة لوجود كاهن في مراسم دفنه وختاما قال بويسونو بأنه سيكتب على قبره لائحة بأسماء جميع الذين تركوا بصماتهم في حياة هذا الفرنسي الأصول الذي صار مونترياليا وعلى رأسهم إديت بياف التي كانت أول من أمسك بيده ليعبر إلى المدينة التي حضنته وتبّنت موهبته, وفي هذه المدينة أيضا سترقد روح بيكولو بسلام تماما كما يرغب!
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.