درجت شعوب العالم منذ أقدم العصور على الوقاية من عوامل الطبيعة بشتّى الوسائل.
وازدادت مع الوقت ومع التطوّر التكنولوجي إمكانيّة التغلّب على البعض منها وخفض حدّتها.
واعتمدت الشعوب منذ القدم وسائل عديدة لمقاومة البرد والحرّ.
واليوم ينعم الانسان بتقنيّة تكييف الهواء التي تضمن له أجواء مريحة في عزّ الحرّ ووسط درجات حرارة غاية في الارتفاع.
ولكنّ للعملة وجها آخر بحيث أنّ التقنيّات المستخدمة للتبريد تساهم في رفع حرارة الأرض.
ذلك أنّ تكييف الهواء يتطلّب استهلاك كميّات كبيرة من الكهرباء التي يتمّ توليدها في أكثر الأحيان من الوقود الأحفوري.
يتناول الصحافي في راديو كندا ستيفان بوردولو ملفّ تكييف الهواء ويعود بضعة قرون إلى الوراء فيشير إلى أنّ الانسان في العصر القديم لجأ إلى الكهوف ليحتمي من الحرّ.
وكان الرومان يكيّفون منازلهم من خلال تمرير المياه في الجدران وعمد الفرس إلى بناء ابراج عالية لحفظ البرودة.
وكان الصينيّون أوّل من وضع تقنيّة المروحيّة التي تعمل بالشَفرات.
لكنّ القرن العشرين شهد تطوّرا جذريّا على صعيد تكييف الهواء يوم وضعت الولايات المتّحدة أوّل جهاز تكييف قادر على تكييف مبنى بأكمله وإزالة الرطوبة منه.
ورغم أنّ تقنيّة تكييف الهواء تعود إلى قرن من الزمن وتمّ تسويقها منذ عقود طويلة، إلاّ أنّها ظلّت لفترة طويلة حكرا على الدول الغنيّة.
ويعود ذلك إلى أنّ الكلفة عالية بالنسبة للدول الفقيرة والنامية.
أضف إلى ذلك أنّ تقنيّات تكييف الهواء تتطلّب شبكة كهربائيّة مستقرّة وقويّة و قدرة على تحمّل كلفة الكهرباء.
من هنا، فإن تقنيّات تكييف الهواء اقتصرت لمدّة طويلة على المباني العامّة والفنادق والمتاجر وعلى الفئات الميسورة.
ومع تطوّر البنى التحتيّة الكهربائيّة وارتفاع مستوى المعيشة، أصبح بإمكان الشعوب في دول الاقتصادات الناشئة، في الهند والبرازيل والصين وسواها أن تنعم بهذه التقنيّة التي باتت متوفّرة لعشرات الملايين من الأُسَر.
وفي كندا تضاعف عدد مكيّفات الهواء 3 مرّات على مدى الخمس والعشرين سنة الماضية.
ويعزو الخبراء ذلك إلى ارتفاع دخل الكنديّين وإلى الأسعار المقبولة لمكيّفات الهواء المنزليّة وتطوير تقنيّات تجمع بين التكييف والتدفئة على غرار المضخّات الحراريّة، وإلى انخفاض أسعار الكهرباء .
ورغم أنّ كندا واحدة من بلدان الشمال، إلاّ أنّ تكييف الهواء منتشر بصورة واسعة.
وتحتلّ مقاطعة اونتاريو المرتبة الأولى حيث أنّ ما يزيد على 50 بالمئة من المنازل تملك نظام تكييف هواء تليها مقاطعة كيبيك حيث تصل النسبة إلى 41 بالمئة.
وبغض النظر عن المتاجر والمباني التجاريّة، ينعم 8 ملايين منزل في كندا بنظام تكييف الهواء.
ورغم ارتفاع استهلاك الطاقة المستخدمة لتكييف الهواء في كندا، فإنّها تبقى هامشيّة مقارنة بالطاقة المستخدمة للتدفئة.
ويخصّص الكنديّون 60 مرّة أكثر من الطاقة للتدفئة ممّا يخصّصونه للتبريد.
ورغم ذلك، فقد ارتفع استهلاك الطاقة المخصّصة لتكييف الهواء في البلاد بنسبة 44 بالمئة بين عامي 1990 و2009.
ومنذ نحو عقد من الزمن، تحسّن أداء مكيّفات الهواء وفق دراسة نشرتها وزارة الموارد الطبيعيّة الكنديّة.
ولكنّ ارتفاع معدّل استخدام تقنيّات التبريد في كندا خلال السنوات الماضية أدّى إلى ارتفاع استهلاك الكهرباء وارتفاع انبعاثات الغازات المتسبّبة بالاحتباس الحراري.
ورغم أنّ أجهزة التكييف لا تتسبّب بانبعاث هذه الغازات، إلاّ أنّ إنتاج الكهرباء الضروريّة لتشغيلها بواسطة محطّات توليد تعمل على الغاز والفحم والوقود يؤدّي إلى زيادة انبعاث غازات الدفيئة.
وقد حظرت الدول الموقّعة على بروتوكول مونتريال وكوبنهاغن استخدام مركّبات الكاربون الهيدروكلوريّة فلوريّة.
وساهم الحظر في تراجع ملحوظ في استخدام الغازات المضرّة بطبقة الاوزون حول العالم.
يبقى القول أخيرا إن المكيّفات التي تمنحنا شعورا مريحا بالبرودة هي في الوقت عينه مصدر ضوضاء في المدن والضواحي.
وثمّة جهود يبذلها المصنّعون على هذا الصعيد ، لكنّ ضجيج بعض المكيّفات يصل إلى 70 ديسيبيل وهي نسبة عالية توازي ضجيج طريق مزدحم.
استمعوا
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.