تناول الباحث الكندي في العلاقات الدولية جوسلان كولون سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما في دول الربيع العربي، لاسيما إزاء النزاع الدائر في سوريا، في مقال بعنوان "رصانة باراك أوباما" نُشر اليوم في صفحة الرأي في صحيفة "لا بريس" الصادرة بالفرنسية في مونتريال. ويشغل كولون منصب مدير "شبكة الأبحاث حول عمليات السلام" المتفرعة من "مركز الدراسات والأبحاث الدولية" (CÉRIUM) التابع لجامعة مونتريال.
يقول جوسلان كولون في مقاله إنه في الوقت الذي تثير فيه الأحداث في سوريا خواطر بعض المسؤولين، كوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، جاعلة إياهم يتنبأون بوقوع حرب عالمية ثالثة، يحافظ الرئيس باراك أوباما على كامل رصانته وصفائه، وهو محق في ذلك برأي الباحث الكندي.
ويشير جوسلان كولون إلى أن الرئيس الأميركي يتعرض لكافة أنواع الانتقادات والهجومات بسبب الطريقة التي يدير بها الأزمة السورية.
ومن المآخذ عليه في هذا المجال أنه فوت فرصة ملائمة للتأثير في إنهاء النزاع عندما وافق في عام 2013 على اقتراح روسي بتفكيك الترسانة الكيماوية السورية بدل قصفها، وأنه لم يظهر أي حماسة للدعم المقدم للمعارضة السورية "المعتدلة"، لدرجة أن برنامج وزارة الدفاع الأميركية الهادف لتدريبها وتسليحها أظهر فشله وتم إلغاؤه.
ويُؤخذ على أوباما أيضاً أنه متردد ومتحير بشأن خيارات الرد على الوجود العسكري الروسي في سوريا، وأنه باختصار لا يملك أي استراتيجية، فيما يظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كعبقري ونابغة من خلال الغضب الذي يفجره في أوكرانيا وسوريا، يقول المحلل الكندي.
ولكن باراك أوباما يملك استراتيجية، يؤكد جوسلان كولون. فهو وصل إلى السلطة في كانون الثاني (يناير) 2009 وفي ذهنه فكرة: إعادة العافية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للولايات المتحدة، وهذه قاعدة ضرورية للتحرك بحرية على الساحة الدولية.
وأحد سبل بلوغ هذا الهدف في ذهن الرئيس الأميركي هو التوقف عن إنهاك بلاده في نزاعات لا حل لها. فوضع حداً للتدخل الأميركي في العراق وأفغانستان، وكان شديد الفتور في دعمه الهجوم على نظام معمر القذافي في ليبيا الذي نرى الآن عواقبه المأساوية، يضيف جوسلان كولون.

في سوريا كما في إيران راهن باراك أوباما على الدبلوماسية، بغض النظر عن الثمن السياسي والدبلوماسي. وهو يحافظ على هذا التوجه بالرغم من التدخل العسكري الروسي لدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وبالرغم من غضب حلفاء واشنطن في المنطقة، لاسيما منهم المملكة السعودية. يوم الأحد الفائت في حديث مع شبكة "سي بي اس" التلفزيونية كان قاطعاً: يريد تجنيب الولايات المتحدة التدخل عسكرياً في نزاع يرى هو أن القوات الأميركية لا تقدم فيه حلاً قابلاً للحياة على المدى الطويل.
من الواضح أنه في ذهن باراك أوباما ما من حل عسكري للمسألة السورية، وذلك منذ بداية الحرب الأهلية قبل أربع سنوات. "ما لم نتمكن من القيام به حتى الآن، وأنا أول من يعترف بذلك، هو تغيير الدينامية داخل سوريا"، قال الرئيس الأميركي، "لم نتوهم مطلقاً أن بإمكاننا، بالسبل العسكرية، حل المشكلة داخل سوريا".
وهذا التبصر الاستراتيجي، يقول جوسلان كولون، أتاح للرئيس أوباما ولم يزل يتيح له مقاومة الدعوات المتواصلة للتدخل ميدانياً. وما يعزز الدعم لهذا الموقف هو أن الأطراف الرئيسية في المأساة السورية – المعارضين السوريين ونظام دمشق وتركيا والعربية السعودية وروسيا وفرنسا – لديها مطامع مختلفة ومواقف متشددة ومتضاربة.
الرئيس الأميركي يدرك تماماً أن النزاع السوري قد يستمر عدة سنوات إضافية، ويعرف أنه يندرج في إطار أوسع حيث انهيار الدول في سوريا والعراق واليمن وعودة إيران والمطامحُ التركية والسعودية تنذر بتفكيك الشرق الأوسط وإعادة تركيبه. وإقحام الولايات المتحدة عسكرياً في هذه الدوامة الهائلة لن يفيد بأي شيء.
يُستحسن التحرك بحذر والتفكير ملياً في العواقب، وفي هذا المجال باراك أوباما هو الوريث الجدير لأول رئيس أميركي، جورج واشنطن، الذي، في عام 1789، رفض الرضوخ للصخب الشعبي الذي طالبه بدعم الثوار الفرنسيين وبالتالي الانجرار إلى وضع لم يكن للولايات المتحدة من مصلحة فيه، يختم جوسلان كولون.
استمعوا
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.