في عام 2013 حذر صندوق النقد الدولي من أن التفاوت في الثروات يلقي "بظلال قاتمة" على الاقتصاد العالمي، والعام الماضي ذهب الرئيس الأميركي باراك أوباما أبعد من ذلك بقوله إن هذا التفاوت أصبح "تحدي عصرنا"، كتب بول جورنيه في صحيفة "لا بريس" الصادرة في مونتريال.
وماذا بعد ذلك؟ بعد ذلك ما من أفعال هامة تستحق الذكر، يقول جورنيه في مقال بعنوان "التفاوت الفاحش". وفي الوقائع الهوة بين الفقراء والأغنياء تتسع أكثر فأكثر كما أفادت منظمة "أوكسفام" الدولية للإغاثة في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد مؤخراً في دافوس في سويسرا.
فالثروات التي يملكها 1% من السكان الأكثر ثراءً في العالم باتت تفوق ما يملكه الـ99% الباقون من السكان، وما يملكه الـ62 شخصاً الأكثر ثراءً يفوق ما يملكه النصف الأفقر من سكان العالم أجمع، حسب "أوكسفام".
التفاوت ليس سحيقاً فقط بل فاحش، يقول كاتب العمود في "لا بريس".
طبعاً هناك بعض الأخبار الجيدة. فالتفاوت بين الدول يتقلص، وبصورة عامة البؤس يتراجع. ومنذ عام 1990 تراجع معدل وفيات الرُضع والفقر المدقع بمعدل النصف. لكن هذا التقدم ليس متساوياً، وهو عائد بصورة خاصة إلى التقدم الذي أحرزته في هذه المجالات كل من الصين والهند، يقول جورنيه.
كما أن هذا التقدم يحتاج للكثير ليصبح كافياً. فالبنك الدولي يحدد "الفقر المدقع" بدخل يومي دون عتبة الـ1,9 دولار أميركي، ما يعني أن من يبلغ دخله اليومي دولاريْن ليس في حالة "الفقر المدقع" كما هي محددة وإن كان لا يزال في حالة بؤس يقول جورنيه.

لا مفر من التفاوتات، وهي ليست بالضرورة سيئة بل مقبولة بشرط أن تتحسن أحوال الأكثر فقراً بين سكان العالم وأن يُتاح لهم التقدم، يضيف جورنيه.
ولكن هل هذا ما يحصل؟ قد يختلف الوضع بين بلد وآخر، لكن على صعيد العالم الجواب هو "لا" واضحة، يقول جورنيه. فالمصعد الاجتماعي معطل والفقراء ينالون فتات النمو.
ويضيف الكاتب في هذا الصدد أنه خلال آخر ربع قرن من الزمن لم ينل العشر الأقل ثراءً من سكان الأرض سوى 0,6% من الثروة المنتَجة، ويقول إن هذه الإحصائية قد تكون الأكثر إقلاقاً لأنها تعني أن إنتاج الثروة بالنسبة لهذه الشريحة لا يجدي نفعاً.
إنها قبل كل شيء مشكلة أخلاقية تدفعنا للتفكير في نوع المجتمع الذي نريد العيش فيه. وهي مشكلة اقتصادية أيضاً. التفاوتات ليست شراً ضرورياً لإثراء كوكب الأرض، بل على العكس من ذلك هي تكبح النمو كما أخذ يلاحظ كل من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يقول جورنيه.
وهذا المنعطف الأيديولوجي الأخير أساسي. لكن رغم ذلك التغييرات بسيطة لأن تحديد المشكلة أسهل من حلها. والأسباب الكبرى معروفة: الأهمية المفرطة التي يأخذها عالم المال، العولمة، الملاذات الضريبية، وروبتة (استخدام الروبوت) الاقتصاد التي تهدد ملايين الوظائف، يضيف جورنيه.
بعد الحرب العالمية الثانية أتاحت البرامج الاقتصادية للدول المتقدمة تقليص التفاوت في مجتمعاتها، وذلك حتى نهاية سبعينيات القرن الفائت. لكن تطبيق هذه الوصفة اليوم ليس بالأمر السهل، فللدول موارد أقل من أجل التحرك، وذلك بسبب النمو الاقتصادي الضعيف والتهرب الضريبي، يقول جورنيه.
ولأن الحل معقد يحتاج للإرادة السياسية. وهذه الإرادة لن تأتي دون "جرعة جيدة من الضغط الشعبي"، يختم بول جورنيه في "لا بريس".
استمعوا
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.