صعود الحركات والأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وبخاصة في ألمانيا وفرنسا، بات مقلقا ويطرح أكثر من سؤال ليس فقط حول الأسباب إنما أيضا، وخاصة ربما، حول النتائج وما سيؤول إليه هذا التطرف على الصعيدين المحلي والدولي سيما وأن ما يجري اليوم ، وإن حاذر الكثيرون تشبيهه بما جرى في أوروبا ، وتحديدا في ألمانيا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، لا يختلف كثيرا عن نشأة التطرف النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا ، الذي تسلم السلطة بالوسائل الديموقراطية قبل أن يجنح إلى التطرف العلني ويقود العام إلى كارثة الحرب العالمية الثانية.
يقارن مؤلف كتاب "اليمين المتطرف في أوروبا" جان إيف كامو في حديث إلى هيئة الإذاعة الكندية وضع اليمين المتطرف في أوروبا باليمين في أميركا :
"تاريخنا في أوروبا يختلف كثيرا عن تاريخكم حول مسألة اليمين المتطرف وما عانيناه من الفاشية والنازية من العشرينيات حتى العام 1945 الأمر الذي يدفعنا إلى موقف سلبي جدا من كل الأحزاب الموجودة عن يمين المحافظين التقليدي. وقد درجت أحزاب اليمين على نكران الانتماء إلى هذه المجموعة لأنها تذكر الناخبين بالنازية والفاشية. ومن الواضح أن أحزاب اليمين المتطرف تغيرت بعد العام 45 إذ من غير المعقول أن تحصل على نجاحات انتخابية كما كان الوضع في إيطاليا الفاشية أو ألمانيا النازية بالرغم من أن بعض الأحزاب ليست بعيدة عن تلك الطروحات". ويضيف:
"أحزاب اليمين المتطرف باتت اليوم أحزابا اعتمدت الحداثة التي تستخدم وسائل اتصالات القرن الحادي والعشرين السياسية وعلى رأسها زعماء لا يحنون أبدا إلى تاريخ العشرينيات والثلاثينيات ولا يعتبرون أنه يعنيهم بشيء."
ويعتبر جان إيف كامو أن اليمين المتطرف يستفيد من ثلاثة ملفات أساسية هي :
"الأول هو الأزمة الاقتصادية والتهميش المتزايد لمن نسميهم المتضررين من العولمة، والثاني هو طبعا الهجرة، بما أن أوروبا، بسبب وضعها الجغرافي عرضة لتدفق ملايين المهاجرين الآتين إما من شمال إفريقيا أو من الشرق الأوسط والثالث مسألة التعددية الثقافية. وثمة فكرة سائدة ليس فقط في أوساط اليمين المتطرف وهي أن التعددية الثقافية ليست فقط غير قابلة للتطبيق إنما تؤدي إلى صراع بين مجموعة وأخرى" حيث كل مجموعة وكل دولة، وبخاصة في أوروبا الوسطى والشرقية، تفهم الهوية على أنها انتماء لدين واحد وعرق واحد ولغة واحدة مشتركة.
يبقى أن معظم مجتمعات العالم تدور في دوامة شديدة الخطورة من الفعل ورد الفعل: فكلما ارتفعت وتيرة العنف والإرهاب تنامت المشاعر القومية والحركات اليمينية المتطرفة، وكلما تنامت تلك المشاعر الوطنية كلما شعر الآخرون بالتهميش والعنصرية واندفعوا إلى التقوقع وشد العصب وتوسل العنف.
راديو كندا الدولي - هسئة الإذاعة الكنديةاستمعوا
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.