"فرنسا تريد أن تحقّق الأمان مهما كان الثمن، ولكن ماذا لو كان ذلك يتطلّب أكثر من اللازم"؟
هذا السؤال مطروح في مقال نشرته صحيفة ذي غلوب اند ميل، بتوقيع البروفسور دومينيك موازي أستاذ معهد الدراسات السياسيّة في باريس والأستاذ الزائر في معهد كينغز كوليدج في لندن والمستشار في المعهد الفرنسي للشؤون الدوليّة.
يقول دومينيك موازي إنّ هجمات باريس الارهابيّة في تشرين الثاني نوفمبر التي أوقعت 130 قتيلا أثارت مشاعر الخوف الشديد والألم وعزّزت في الوقت عينه الوحدة والصمود.
وبعد هجوم نيس الذي راح ضحيّته ما يزيد على 80 قتيلا، أصبحت مشاعر العجز والغضب مهيمنة يقول كاتب المقال.
والفرنسيّون محبطون وقلقون ويريدون الشعور مجدّدا بالأمان مهما كلّف الثمن يقول موازي.
والمشاعر مفهومة ولكنّها لا تساهم بالضرورة في اتّخاذ قرار فعّال.
والمشكلة فيها هو تعبير "مهما كلّف الثمن"، يقول دومينيك موازي في تعليقه في صحيفة ذي غلوب اند نميل.
ويتابع فيقول إنّ المواطنين قد يميلون في حال شعروا أنّ المسؤولين خذلوهم، نحو بدائل أكثر تطرّفا.
والأحزاب الشعبويّة والعنصريّة بدأت تكتسب زخما أكبر في فرنسا وسواها.
ومن المحتمل أن يأخذ الناس القانون بأيديهم في حال حثّتهم هذه القوى على ذلك.
وأمام السلطات الكثير لتقوم به، ومن الصعوبة بمكان حماية المواطنين من الهجمات الارهابيّة والحفاظ في الوقت عينه على سيادة القانون.
ومن الممكن أن يتحوّل أشخاص نحو التشدّد ولا سيّما من يعانون من اضطرابات نفسيّة كما حصل في هجوم نيس.
ولا يمكن للسلطات أن تعطي أيّة ضمانات حول احتمال حصول المزيد من الهجمات.
ويتابع دومينيك موازي في تعليقه في صحيفة ذي غلوب اند ميل فيشير إلى أنّ هنالك الكثير من الذي يمكن ويجب القيام به لتعزيز الأمن في فرنسا وسواها.
لكنّ ضمان الأمن المطلق يضرّ اكثر ممّا ينفع كما يقول كاتب المقال.
ويستحقّ الفرنسيّون كما كلّ الشعوب، أن يشعروا بالأمان في كلّ ما يقومون به، والسؤال مطروح حول كيفيّة إعادة هذا الشعور بالأمن في وقت لا يمكن القضاء كليّا على خطر وقوع هجوم إرهابي.
والجواب داخل المجتمع المدني. وعلى المواطنين أن يصبحوا أكثر يقظة حيال علامات التشدّد وأن يتعلّموا أكثر كيفيّة الرد عليها.
وينبغي تشجيعهم على التبليغ عن حالات التشدّد التي يلاحظونها لدى المقرّبين منهم إلى سلطات الصحّة العقليّة والشرطة.

وبعيدا عن اختلاق اتّهامات لا أساس لها من الصحّة، ينبغي توفير قنوات تتيح الكشف عن ميول عنيفة ومتشدّدة يقول دومينيك موازي.
والتجربة تلك نجحت في اسرائيل ورغم الهجمات المتكرّرة يحتفظ الاسرائيليّون بشعور من الأمان النسبي يعود الفضل فيه جزئيّا إلى المجتمع المدني.
والمواطنون على استعداد لاحترام ما اسماه الفيلسوف الألماني ماكس ويبر حصريّة "الاستخدام المشروع للقوّة الجسديّة".
وفرنسا ليست على وشك الوقوع في حالة من الفوضى يقول دومينيك موازي وعينها ساهرة لمكافحة الارهابيّين.
ولكنّ حملة التخويف التي يشنّها الشعبويّون دون هوادة والتجارب المرعبة والمأساويّة والمثيرة للغضب تقوّض تفكير الناس وتوقعهم فريسة للخطابات التي تلهب المشاعر كما يقول كاتب المقال في صحيفة ذي غلوب اند ميل دومينيك موازي.
ولا يستبعد أن يستغلّ السياسيّون أحداث نيس مع اقتراب موعد الحملة الرئاسيّة في فرنسا العام المقبل.
وينبغي عدم السماح بأن يحصل ذلك كما يقول. وفي حال رضخ الفرنسيّون للخوف وانتخبوا شعبويّين متعصّبين، يكون تنظيم "الدولة الاسلاميّة" قد سجّل انتصارا كما يقول.
ويضيف أن التنظيم يخسر والاراضي التي يسيطر عليها في سوريّا والعراق تتضاءل واستراتيجيّته الأخيرة المتبقّية هي التجنيد السريع.
وقد يلقى دعما كبيرا من تكثيف الخطاب المعادي للمسلمين او من الذين يحوّلون خطابهم إلى سياسة.

ومسؤولو التعبئة في تنظيم "الدولة الاسلاميّة" يحقّقون النجاح ووجدوا من اسطنبول إلى اورلاندو ودكّا الكثير من الأنصار التوّاقين للقتل باسم التنظيم.
وطالما بقي الغرب موحّدا ومحافظا على المبادئ، لا يمكن للتنظيم ان يخرج منتصرا.
ومفتاح الحل بالنسبة لفرنسا وسواها هو في العمل في الداخل والخارج، وتعزيز الروابط بين وكالات الأمن المحليّة والخارجيّة، مع وعي أكبر بالمخاطر من قبل المجتمع المدني، على غرار النمط الاسرائيلي، ومواصلة الضربات ضدّ معاقل التنظيم للقضاء على حلمه بإقامة دولة الخلافة.
واستعادة السيطرة على حياتنا ومصيرنا تعني أن نكون واقعيّين.
وبدل المطالبة بالعودة إلى مرحلة ما قبل الإرهاب، علينا أن نكون متيقّظين أكثر حيال المخاطر التي يشكّلها ليس على سلامتنا فحسب وإنمّا أيضا على قيمنا والتزامنا بسيادة القانون.
وعلينا أن نبذل قصارى جهدنا للتخفيف من هذه المخاطر يقول البروفسور دومينيك موازي في ختام تعليقه في صحيفة ذي غلوب اند ميل.
استمعوا
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.