إن كان ثمّة أمر يقلق صنّاع القرار السياسي والاقتصادي في المرحلة الراهنة، فهو الشعور الذي ينتاب نسبة متزايدة من المواطنين بأنّ النموذج الاقتصادي الحالي لا يعمل بالنسبة لهم، يقول جيرالد فيليون الصحافي ومحرّر الشؤون الاقتصاديّة في تلفزيون راديو كندا في مدوّنته.
وسبق أن تحدّث جيرالد فيليون عن انهيار الثقة بين النخب الاقتصاديّة والعمّال من ذوي الدخل المحدود، والتي يعود السبب فيها إلى عدم ثقة الكثيرين عن حقّ او عن خطأ، بإيجابيّات التبادل الحرّ وانفتاح الأسواق.
وبلغ الرفض حدّا دفع بمرشَّحَي الرئاسة الأميركيَّين هيلاري كلنتون ودونالد ترامب إلى الحديث عن التبادل الحرّ للتنديد بتجاوزاته والنكسات التي أصيب بها.
ويرى ترامب أنّ التبادل الحر هو كارثة ويدعو إلى وضع حدّ لاتّفاق التبادل التجاري الحرّ بين دول اميركا الشماليّة ( نافتا) ويعارض التصديق على اتّفاق الشراكة عبر الهادي.
وتعارض هيلاري كلنتون بدورها اتّفاقات التبادل الحرّ بما فيها اتّفاق الشراكة عبر الهادي، وترى أنّها تقضي على الوظائف وتتسبّب بخفض الرواتب كما تقول.
"اعارض هذه الاتّفاقات اليوم وسوف أعارضها بعد الانتخابات واعارضها بصفتي رئيسة" قالت هيلاري كلنتون.

ويتابع الصحافي في تلفزيون راديو كندا جيرالد فيليون فيشير إلى استطلاع للرأي أجرته شبكة سي بي أس الأميركيّة وصحيفة نيويورك تايمز.
واعتبر 35 بالمئة من المستطلعة آراؤهم أنّ العولمة أتاحت لهم تحقيق الأرباح وكانت مفيدة بالنسبة لهم.
ورأى 55 بالمئة من العيّنة المستطلعة أنّ اتّفاقات التبادل الحرّ ساهمت في تردّي أوضاعهم الاقتصاديّة.
ومن الصعب التحقّق من صحّة كلّ ما يقوله الناس في الاستطلاعات. ولكنّ التصوّر الواضح هو أنّ تأثير التبادل الحرّ كان ضارّا بالنسبة لأغلبيّة المواطنين.
وينقل فيليون عن العديد ممّن التقاهم من الخبراء الاقتصاديّين أنّ انفتاح الأسواق أدّى إلى وجود خاسرين ورابحين.
والحساب إيجابيّ في نهاية المطاف حسب الكثيرين منهم: من ارتفاع الناتج المحلّي الاجمالي إلى ارتفاع ثروة الفرد والنموّ الاقتصادي.
ولكن، وقبل أن نخلص إلى النتائج، لا بدّ من مراجعة الحسابات والبحث في عنصر رئيسي ، أي الهوّة بين الفقراء والأغنياء.
وثمّة صلة قويّة بين توسّع هذه الهوّة من جهة، والتصوّر الموجود لدى اغلبيّة المواطنين بأنّ التجارة الحرّة مسيئة من الجهة الأخرى.
وتدعو المؤسّسات إلى فتح الأسواق لزيادة إنتاجها وصادراتها ومداخيلها وارباحها يقول الصحافي جيرالد فيليون ويتساءل إن كان العمّال يفيدون منه.

والجواب مزدوج كما يقول: فالعمّال يفيدون في حال وظّفت الشركة لأنّها تستفيد من مبيعات إضافيّة.
وهم لا يفيدون في حال قرّرت الشركة نقل مصانعها من كندا إلى المكسيك لخفض كلفة التصنيع.
ويتابع الصحافي في مدوّنته فيشير إلى عوامل أخرى تدخل في الاعتبار.
ويشير إلى مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز حول أعمال البروفسور ادوارد مانسفيلد والبروفسورة ديانا موتز الأستاذين في جامعة بنسلفانيا،يعتبران فيه أنّ الناخبين الأميركيّين لا ينظرون إلى العولمة من منطلق مصلحتهم الشخصيّة او مصلحة البلد بأكمله. ولكنّهم يستندون إلى معتقدات ومنعكسات اكثر منه إلى معطيات ملموسة.
ويدفعهم المنعكس الانعزالي Réflexe isolationniste إلى الاعتقاد أنّه لا يجب أن تشارك الولايات المتّحدة في القضايا العالميّة الكبرى و لا أن ترعى المشاكل الكبيرة.
ويرون انطلاقا من المنعكس القومي Réflexe nationaliste أنّ الولايات المتّحدة متفوّقة على الدول الأخرى وأنّ على العالم أن يحذو حذوها.
ويقسم المنعكس العرقي Réflexe ethnocentriste الناس بين إثنيّات متنوّعة ، ويرون أنّ العرق الذي ينتمون إليه هو الأفضل والأجدر بالثقة.
ونفهم من ذلك كما يقول جيرالد فيليون الصحافي ومحرّر الشؤون الاقتصاديّة في تلفزيون راديو كندا، أنّ المعارضة للتبادل الحرّ ليست عقلانيّة بنظر الباحثَين الأميركيَّين.
وهي تنجم عن مجموعة من المنعكسات البشريّة التي تعود إلى تصوّر المواطنين أكثر منه إلى اعتبارات اقتصاديّة.
وكلّما ارتفع مستوى التعليم لدى الفرد، يزداد ميله لعدم معارضة التبادل الحرّ برأي الباحثّين الأميركيّين.
والتصوّرات قويّة وأقوى من أيّ يوم مضى، وهذا ما يبني عليه السياسيّون مشروعهم السياسي في الوقت الراهن يقول جيرالد فيليون في ختام مدوّنته.
(راديو كندا الدولي/ راديو كندا)
استمعوا
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.