تناول كاتب العمود في "لو دوفوار" الصادرة في مونتريال، غي تايفير، محاكمة أحمد الفقيه المهدي أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتهمة تدمير المعالم التاريخية والدينية في مدينة تمبكتو في بلده، مالي.
ضمن إمكانياتها، وهي محدودة بما فيه الكفاية، تقوم المحكمة الجنائية الدولية ببادرة هامة وفاعلة من خلال درسها للمرة الأولى قضية اعتُبر فيها تدمير التراث الثقافي جريمة حرب، كتب غي تايفير في مقاله وهو بعنوان "البادرة الضرورية للمحكمة الجنائية الدولية".
ويرى غي تايفير أن محاكمة الجهادي المالي التي بدأت يوم الاثنين "حاسمة"، لاسيما وأنها تأتي في وقت يواصل فيه تنظيم "الدولة الإسلامية" المسلح تدمير التراث في سوريا والعراق.
صحيح أن العدالة الدولية منشغلة بأعمال عنف هي، بكل تأكيد، أكثر دموية، لكن لا يقل عن ذلك أهمية بناءُ اجتهاد قضائي حول واقع بأن الهجمات على تراث شعب يمكن أن تشكل أيضاً جرائم ضد الإنسانية، لأن، وكما قالت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودة يوم الاثنين في لاهاي، هذا التراث الثقافي "يشكل مع الوقت النموذج المثالي للذاكرة الاجتماعية الذي يتيح للأفراد أن يبنوا أنفسهم وينموا".
اتُهم أحمد المهدي بتنظيم أعمال تدمير طالت تسعة أضرحة للأولياء وباب مسجد يعود للقرن الخامس عشر في تمبكتو، أحد صروح العلوم الإسلامية في أزمنة غابرة، خلال احتلال المدينة من قبل مقاتلي حركة "أنصار الدين" وتنظيم "القاعدة" السلفييْن الجهاديْن بين نيسان (أبريل) 2012 وكانون الثاني (يناير) 2013. ومن بين الأضرحة التي دُمرت ما هو مُدرج على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

وما إن بدأت جلسة المحاكمة يوم الاثنين حتى أقر الرجل الأربعيني، الموقوف منذ عام 2014، بذنبه طالباً من سكان تمبكتو الصفح "عن ابن ضل طريقه".
ندم صادق، ربما، لكن مغرض دون شك، لأن اعترافات أحمد المهدي تفتح الباب على مفاوضات قد تخفض عقوبته من ثلاثين سنة سجن إلى عشر سنوات، يقول غي تايفير.
ويرى غي تايفير أن الانزعاج المُسجل لدى منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بسبب قرار المحكمة الجنائية الدولية ملاحقة أحمد المهدي لدوره فقط في تدمير التراث الثقافي هو في محله.
فالمحاكمة هي بالتأكيد غير كاملة لأنها أهملت كل الجرائم الأخرى التي يُعتقد أن أحمد المهدي ضالع فيها، لاسيما بصفته رئيساً لـ"شرطة الأخلاق" التي كانت مكلفة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في تمبكتو، حيث أنه كان مسؤولاً عن "قمع كل تصرف يُعتبر منافياً للفضيلة". ويشير غي تايفير إلى شكوى رُفعت أمام القضاء في باماكو، عاصمة مالي، في آذار (مارس) 2015 اتُّهم فيها أحمد المهدي و14 جهادياً آخرين بجرائم قتل وتعذيب واغتصاب.
معظم الأضرحة المدمرة أعيد بناؤها بمساعدة المانحين الدوليين، لكن الكثيرين من سكان تمبكتو الذين فروا منها بعد وقوعها بقبضة السلفيين الجهاديين لم يعودوا إليها بعد، ومعظم هؤلاء من النساء حسب منظمات غير حكومية مطلعة. وبالتالي لا يمكن إحقاق الحق في قضية وإغفاله في أخرى، يرى غي تايفير.
نظام العدالة الدولية يتقدم بخطى صغيرة جداً وبإمكانيات محدودة، لكن يجب ألا يغيب عن بالنا أن محاكمة أحمد المهدي تندرج في إطار تحقيق أوسع تجريه المحكمة الجنائية الدولية حول جرائم الحرب المرتكبة في مالي منذ كانون الثاني (يناير) 2012، وهذا ما يبعث على الأمل بتحقيق تقدم مزدوج: أن تتحقق لسكان مالي عدالة أوسع ومُصْلِحة، وأن يمهد عمل المحكمة الجنائية الدولية في مجال حماية التراث الثقافي في مالي الطريق أمام عمل مماثل في سوريا والعراق، كي لا تتكرر أعمال التدمير التي حصلت في تدمر وسواها، يختم غي تايفير.
استمعوا
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.