تناولت كاتبة العمود في صحيفة "لو جورنال دو مونتريال" جوزيه لوغو الذكرى الأولى لفوز الحزب الليبرالي الكندي بقيادة جوستان ترودو بحكومة أكثرية في مجلس العموم في أوتاوا في مقال بعنوان "سر جوستان".
وتذكّر لوغو، وهي محللة سياسية يستضيفها راديو كندا بصورة دورية، بأن فوز ترودو كان "مذهلاً". فبعد أن كان الزعيم الليبرالي ثالثاً في استطلاعات الشعبية في بداية الحملة الانتخابية نجح في "صرع" خصمه المهيب زعيم حزب المحافظين الكندي ستيفن هاربر.
يُذكر أنه في 19 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي فاز الليبراليون بزعامة ترودو بـ184 مقعداً من أصل 338 مقعداً يتكون منها المجلس، مقابل 99 مقعداً للمحافظين و44 مقعداً للحزب الديمقراطي الجديد اليساري التوجه و10 مقاعد للكتلة الكيبيكية الداعية لاستقلال مقاطعة كيبيك ومقعد واحد للحزب الأخضر. وجاء فوز الليبراليين بعد نحو من عشر سنوات من حكم المحافظين بزعامة هاربر.
تقول لوغو إن ترودو بتخليه عن مبدأ العجز الصفري، أي التوازن بين إيرادات الدولة ونفقاتها العامة، تجرأ على تجاوز الحزب الديمقراطي الجديد عن يساره.
وبالرغم من اسم عائلته وفضيحة الفساد في الإعلانات الحكومية الهادفة لإبراز دور أوتاوا الإيجابي في مقاطعة كيبيك عندما كان الليبراليون بقيادة جان كريتيان في السلطة، حقق ترودو فوزاً كاسحاً حتى في هذه المقاطعة، تضيف لوغو. وإشارة المحللة السياسية إلى اسم عائلته هو للتذكير بأن والده رئيس الحكومة الليبرالية الراحل، بيار إليوت ترودو، فقد الكثير من شعبيته في مقاطعته، كيبيك، في سنوات حكمه الأخيرة.
ويفيد استطلاع للشعبية أجرته شركة "كروب" (Crop) لصالح صحيفة "لا بريس" ونُشرت نتائجه أمس أن 61% من الناخبين الكيبيكيين يقترعون للحزب الليبرالي بقيادة جوستان ترودو فيما لو جرت انتخابات فدرالية عامة الأسبوع الحالي. ويفيد استطلاع آخر لشركة "فوروم ريسيرتش" (Forum Research) أن 49% من الكنديين يقترعون للحزب الليبرالي فيما لو جرت الانتخابات أمس، مع نيل ترودو نفسه رضى 56% من الناخبين المستطلعين.
فما سر "وصفته السحرية"؟ بصورة رئيسية هناك مكونان، ترى لوغو. الأول هو أن جوستان ترودو عرف كيف يكون نقيض ستيفن هاربر على كافة الأصعدة، والثاني أنه يملك "شخصية" سياسية تَبين أنها على الجهة المقابلة تماماً لشخصية والده.

وبإيجاز تكمن قوة جوستان ترودو في قدرته على إزالة الاستقطاب من المجتمع الكندي، فيما كان والده وستيفن هاربر رئيسيْ الحكومة الأكثر استقطاباً في تاريخ كندا المعاصر، تقول لوغو.
فبعد حكم ستيفن هاربر الجاف، وفي وقت أصبح فيه العالم أكثر عنفاً وأقل استقراراً، جاء جوستان ترودو إلى سدة الحكم يُرسي السلام في المشهد السياسي.
ويرى الكثيرون من الناس في جوستان ترودو رئيس حكومة لا يتردد في الاختلاط بهم بالرغم مما يشكله ذلك من تهديد لسلامته الشخصية. وتذكّر لوغو في هذا الصدد كيف أن ترودو غداة فوزه في الانتخابات توجه إلى محطة قطار الأنفاق في دائرته الانتخابية في مونتريال حيث التقى الناس العاديين وصافحهم والتقط صوراً مع العديد منهم. هي لحظة غير مسبوقة في تاريخ السياسة الكندية وتبرز ما يميّز "جوستان" عن سواه، ترى لوغو.
وبالمقارنة مع أبيه، بيار إليوت ترودو، فقد كان رئيس الحكومة الراحل يعتبر أنه دوماً على حق، وكان يتحدث كثيراً ويستمع قليلاً، أما جوستان ترودو فقليل الكلام كثير الإصغاء.
وهناك أمر آخر، تقول لوغو، وهو نسويته المحررة من العقد والتي تضعه في تناقض تام اجتماعياً وسياسياً وجيلياً مع المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترامب، الميسوجيني الكاره للمرأة والمتهاوي تحت وطأة مزاعم الاعتداءات الجنسية التي تطاله.
والنتيجة أن حكومة جوستان ترودو بعد سنة على فوزها، ومستفيدة أيضاً من ضعف أحزاب المعارضة، لم تزل في القمة في استطلاعات الشعبية. شعبية لم ينل منها رفضها إلغاء صفقة ناقلات جند مدرعة بقيمة 15 مليار دولار كندي كانت حكومة المحافظين قد وقعتها مع المملكة السعودية، ولا الغموض بشأن مشروع أنبوب "إنرجي إيست" (Energy East) لنقل النفط الخام المستخرج في غرب كندا إلى شرقها.
إذاً شهر العسل لا يزال مستمراً، على الأقل حتى الوقت الراهن. ولكن في السياسة كل ما يصعد سيهبط يوماً ما. وهذا اليوم سيأتي لجوستان ترودو، كما أتى لسواه، لكنه لا يزال بعيداً، تقول جوزيه لوغو.
استمعوا
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.