هل أصبحت كندا ملاذاً للاجئين منذ وصول جوستان ترودو إلى الحكم؟

أسرة صومالية قادمة من الولايات المتحدة تتلقى المساعدة من عناصر الشرطة الملكية الكندية عند عبورها الحدود إلى كندا بشكل غير قانوني قرب بلدة همينغفورد في مقاطعة كيبيك في 17 شباط (فبراير) 2017 بهدف طلب اللجوء / Paul Chiasson / PC

أعلنت الحكومة الفدرالية مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 أنها سترفع عدد القادمين الجدد إلى كندا بصورة تدريجية ليبلغ نحواً من مليون شخص على امتداد السنوات الثلاث التالية، 2018 و2019 و2020، ومن ضمنهم نحوٌ من 140 ألف لاجئ.

وزير الهجرة واللاجئين والمواطنة في الحكومة الليبرالية في أوتاوا أحمد حسين أشار إلى أن الشيخوخة المتسارعة للمجتمع الكندي تدفع كندا لاستقبال مزيد من القادمين الجدد من أجل تأمين نموٍ اقتصاديٍ مُرضٍ.

هدف الحكومة هو استقبال 980 ألف قادم جديد في السنوات الثلاث المذكورة: 310 آلاف عام 2018، و330 ألفاً عام 2019، و340 ألفاً عام 2020.

ومن ضمن هذا العدد الإجمالي 137350 لاجئاً، 43 ألفاً منهم عام 2018 و45650 آخرون عام 2019 و48700 آخرون عام 2020، إضافة إلى 12250 شخصاً يُمنحون الإقامة لدواعٍ إنسانية، 3500 منهم عام 2018 و4250 آخرون عام 2019 و4500 آخرون عام 2020.

طفلة سورية تتأمل علم بلدها الجديد، كندا، في يد أبيها الذي يحملها عند وصول العائلة إلى مطار تورونتو بيرسون الدولي في 18 كانون الأول (ديسمبر) 2015 بعد حصولها على حق اللجوء إلى كندا / Mark Blinch / Reuters

ومنذ وصول الليبراليين بقيادة جوستان ترودو إلى السلطة في أوتاوا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015 استقبلت كندا نحواً من 50 ألف لاجئ سوري مكفولين إمّا من الحكومة الفدرالية أو من مجموعات محلية خاصة في إطار برنامج خاص بالسوريين الذين لجأوا إلى لبنان والأردن وتركيا وسجلوا أسماءهم لدى المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة.

هل أصبحت كندا ملاذاً للاجئين منذ وصول ترودو إلى الحكم؟ الناشط والمدوّن الكندي السوري الدكتور محمد محمود يعمل بشكل طوعي في مجال دعم القادمين الجدد إلى كندا وطالبي اللجوء فيها، وهو يرى أن كندا مع ترودو عادت إلى الدور الذي دافعت عنه تاريخياً، ألا وهو سياسة الباب المفتوح وفق احتياجات مجتمعها حسب قوله، ويذكّر بأن كندا استقبلت، ومنذ ما قبل قيام الكونفدرالية، موجات الهاربين من كوارث إنسانية، منذ المجاعة الكبرى التي ضربت إيرلندا منتصف القرن التاسع عشر:

استمعوا

رئيس الحكومة الكندية جوستان ترودو مستقبلاً لاجئين سوريين قادمين من بيروت في مطار بيرسون الدولي في تورونتو في 11 كانون الأول (ديسمبر) 2015 / Mark Blinch / Reuters

فاتن قيقانو باحثة في شؤون الهجرة واللجوء وتعد أطروحة دكتوراه في هذا المجال في جامعة مونتريال. سالتُها إلى أي مدى يمكن القول إن كندا منذ وصول الليبراليين بقيادة ترودو إلى السلطة هي أكثر ترحيباً باللاجئين. تجيب السيدة قيقانو بأن كندا باتت أكثر ترحيباً لكن ضمن حدود معينة، لافتةً إلى أن القوانين الكندية لم تتغير:

استمعوا

واستقبال كندا اللاجئين السوريين ضمن برنامج خاص بهم أعطى حكومة ترودو صورة إيجابية لكنه أثر سلباً على دراسة ملفات طالبي اللجوء من جنسيات أخرى، لا سيما بسبب محدودية عدد موظفي دوائر اللجوء. وصورة هذا الالتزام الإنساني لحكومة ترودو تحجب واقعاً أقل إشراقاً يفرضه تطبيق القوانين الكندية وفق ما تشير إليه فاتن قيقانو:

استمعوا

حاكم كندا العام ديفيد جونستون متحدثاً إلى وسائل الإعلام خلال زيارته مخيم الزعتري للاجئين السوريين في شمال الأردن في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 2016 / محمد حامد / رويترز

وتشرح السيدة قيقانو كيف أن الهايتيين القادمين من الولايات المتحدة الذين عبروا الحدود الكندية بصورة غير قانونية، أو "غير نظامية" وفق المصطلح الذي بات مُستخدماً، استفادوا من استثناء بفضل تغريدة لرئيس الحكومة الكندية:

استمعوا

والتغريدة التي ذكرتها فاتن قيقانو أطلقها جوستان ترودو على موقع "تويتر" للتواصل تحت هاشتاغ "أهلاً بكم في كندا" في 28 كانون الثاني (يناير) 2017، وقال فيها "إلى الذين يهربون من الاضطهاد والإرهاب والحرب، كندا ترحب بكم، بغض النظر عن انتمائكم الديني. التعددية مصدر قوتنا."

وأطلق ترودو هذه التغريدة غداة إصدار الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً بمنع دخول مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة لمدة 90 يوماً وحظر دخول كافة اللاجئين إليها لمدة 120 يوماً. والدول السبع هي سوريا والعراق وإيران واليمن والصومال والسودان وليبيا.

طالبو لجوء يأخذون قسطاً من الراحة في 10 آب (أغسطس) 2017 في واحدةٍ من الخيم التي نصبها لهم الجيش الكندي عند مركز لاكول الحدودي في مقاطعة كيبيك بعد قدومهم براً من الولايات المتحدة / Graham Hughes / CP

ومطلع صيف 2017 أخذ عشرات الهايتيين يدخلون يومياً إلى كندا عن طريق البر بصورة غير قانونية قادمين من الولايات المتحدة بهدف طلب اللجوء بعد أن أصدرت السلطات الأميركية قراراً بإلغاء تصاريح إقامة مؤقتة لعشرات الآلاف منهم. وبلغ معدل عدد الوافدين من الولايات المتحدة لهذه الغاية نحواً من 300 شخص يومياً مطلع آب (أغسطس) 2017، غالبيتهم من الهايتيين.

وبعد أن تعرض ترودو لانتقادات من داخل كندا بأنه شجّع تدفق طالبي اللجوء إلى البلاد من خلال إعطائه صورة بأن حدود كندا مفتوحة أمام الجميع، حرص على أن يؤكد أن كندا دولة قانون وأن قوانينها يجب أن تُحترم.

"لن تحظوا بمعاملة تفضيلية إذا اخترتم دخول كندا بشكل غير نظامي. عليكم اتّباع القوانين، وهناك الكثير منها"، قال ترودو متوجهاً إلى العابرين من الولايات المتحدة بشكل غير قانوني. "كندا مجتمع منفتح ومضياف، لكن مهمتنا الأولى هي حماية مواطنينا"، أضاف رئيس الحكومة الكندية.

كما أطلقت السلطات الكندية عدة حملات توضيحية لمواجهة المعلومات المغلوطة المنتشرة في الولايات المتحدة عن نظام الهجرة الكندي والتي شجعت الكثيرين من ذوي الأوضاع غير القانونية هناك على دخول كندا وطلب اللجوء فيها ظناً منهم أن حصولهم عليه ليس سوى إجراء شكلي.

لكن رغم ذلك واصل الباحثون عن حياة أفضل عبور الحدود الكندية بشكل غير قانوني، أو "غير نظامي"، قادمين من الولايات المتحدة. فمنذ مطلع العام الحالي دخل كندا بهذه الطريقة أكثر من 7300 شخص، نحوٌ من 2500 منهم، غالبيتهم من نيجيريا، في نيسان (أبريل) فقط.

وبطلب من كندا بدأت السلطات الأميركية التشدد في منح تأشيرات سياحية لمواطني نيجيريا. وسيزور الوزير أحمد حسين قريباً هذا البلد، الأكبر في إفريقيا من حيث عدد السكان، بهدف إيجاد حل لتدفق مواطنيه إلى كندا.

رجل قال إنه من السودان يعبر الحدود الأميركية الكندية بشكل غير قانوني في 17 شباط (فبراير) 2017 لدخول بلدة همينغفورد في مقاطعة كيبيك وهو يحمل جوازات سفر أفراد عائلته الذين عبروا الحدود قبله بقليل، ويبدو خلفه أحد عناصر مراقبة الحدود الأميركيين الذي كان قد أوقفه / Christinne Muschi / Reutersزين شابة سورية من مدينة حلب، تقيم في مونتريال منذ مطلع ربيع 2017، لكن في وضع قانوني بالغ الصعوبة.

فـ"زين"، وهذا هو الاسم الذي تعرّف عن نفسها به، كانت في زيارة إلى الولايات المتحدة، وتوجهت براً إلى الحدود مع كندا ودخلت مركزاً تابعاً لوكالة الخدمات الحدودية الكندية في مدينة ويندزور في مقاطعة أونتاريو طالبةً الدخول إلى كندا. ولدى سؤالها عما تريد القيام به في كندا أفصحت أنها ترغب بتقديم طلب لجوء، فقيل لها إنه لا يحق لها بذلك بسبب اتفاق البلد الثالث الآمن بين كندا والولايات المتحدة.

فبموجب هذا الاتفاق الموقع بين أوتاوا وواشنطن عام 2002، في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على الولايات المتحدة، والذي دخل حيز التنفيذ في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2004، يتوجب على طالب اللجوء أن يطلب الحماية في البلد الآمن الأول الذي يصل إليه، إلّا في حالات استثنائية محددة.

عاودت زين الكرّة بعد ثلاثة أسابيع، لكن هذه المرة عبرت الحدود بصورة غير قانونية، أو "غير نظامية"، بين الولايات المتحدة ومقاطعة كيبيك الكندية. ولما حاولت تقديم طلب لجوء إلى كندا قيل لها مجدداً بأنه لا يحق لها بذلك، لكن السلطات الكندية منحتها إذن عمل مؤقت مدته ستة أشهر وقابل للتجديد.

وبسبب قصر مدة إذن العمل الذي حصلت عليه ولأنه لا يحق لها تقديم طلب لجوء، تواجه زين مصاعب كبيرة في الحصول على أية وظيفة. فأرباب العمل يفضلون توظيف شخص حاصل على إقامة دائمة في كندا عوضاً عن شخص لا يملك سوى إذن عمل قصير المدة ويكتنف الغموض مستقبله في كندا. وعن التحديات التي تواجهها في هذا المجال تقول زين:

استمعوا

وترجو زين أن تحصل على وظيفة فتجدد السلطات الكندية إذن عملها وتتعزز حظوظها بأن تحصل على الإقامة الدائمة في كندا لدواعٍ إنسانية.

لوحة إعلانية قرب قرية إيمرسون في أقصى جنوب مقاطعة مانيتوبا تنبه إلى حظر عبور الحدود الكندية الأميركية في المكان المثبتة فيه وترشد إلى أقرب نقطة عبور شرعية / Trevor Haga / CP

ويفيد تقرير صدر في 7 شباط (فبراير) 2018 عن موقع "سي بي سي"، القسم الإنكليزي في هيئة الإذاعة الكندية، أن السلطات الكندية أخذت تمنح اللجوء لطالبيه بمعدل هو الأعلى في نحوٍ من ثلاثة عقود من الزمن.

وفي إطار إعدادها التقرير اطّلعت "سي بي سي" على نحوٍ من 90 ألف قرار أصدرتها هيئة الهجرة ووضع اللاجئ في كندا في ملفات لجوء ضمن فترة نحوٍ من خمس سنوات، وتحديداً بين كانون الثاني (يناير) 2013 وأيلول (سبتمبر) 2017. والهيئة محكمة إدارية مستقلة تصدر أحكاماً في قضايا الهجرة واللجوء.

ويقول تقرير "سي بي سي" إن معدل القبول ارتفع بشكل كبير في السنوات الخمس الأخيرة، من 44% في عام 2013 إلى 70% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2017، أي أن هيئة الهجرة ووضع اللاجئ في كندا منحت حقّ اللجوء لـ70% من طالبيه. وآخر مرة سُجلت فيها معدلات بهذا الارتفاع كانت عام 1991.

عند سؤالها عن سبب هذا الارتفاع أكدت الناطقة باسم الهيئة، ميليسا أندرسون، أن كل طلب لجوء يخضع لدراسة على أساس الجدارة وأن مفوضي الهيئة يصدرون أحكامهم على أساس الوقائع والأدلة المقدَّمة.

الأسقف مغريغ باريكيان مرحباً بلاجئين سوريين في حفل أُقيم في كنيسة السيدة العذراء التابعة للمركز المجتمعي الأرمني في تورونتو احتفاءً بوصولهم إلى كندا / Mark Blinch / Reuters

لكن "سي بي سي" تقول إن معظم خبراء الهجرة واللجوء الذين تحدثت إليهم متفقون على أن التغييرات التي أُدخلت على نظام عمل الهيئة أواخر عام 2012 تشكل عاملاً مهماً في ارتفاع معدلات القبول.

فموجب هذه التعديلات أصبح على الهيئة أن تستمع إلى طالب اللجوء، في الغالبية العظمى من الملفات، ضمن مهلة لا تتعدى 60 يوماً من تاريخ تقديمه الطلب، مقارنة بمهل كانت تمتد إلى 18 شهراً قبل دخول التعديلات حيز التنفيذ، يقول المحامي المتخصص في قضايا الهجرة واللجوء في فانكوفر دوغلاس كانون.

قبل التعديلات كان لدى المحامين متسع من الوقت للحصول على أدلة كثيرة تدعم طلبات موكليهم. لكن مع تقصير المهل بهذه النسبة المرتفعة أصبح على مفوَّضي الهيئة خفض توقعاتهم والاكتفاء بما جمعه المحامون من أدلة خلال 60 يوماً.

على سبيل المثال كان بإمكان مفوَّضي الهيئة، قبل التعديلات، أن يتوقّعوا الحصول على تقرير من الشرطة في دولة كولومبيا يوثّق اعتداءً مزعوماً قبل أن يصدروا قراراً. لكن الحصول على هذا التقرير ضمن 60 يوماً هو أمر بعيد الاحتمال. وبما أن قوانين اللجوء تقضي بأن يمنح المفوَّضون طالبي اللجوء ميزة الشك، ارتفعت معدلات القبول، يشرح المحامي كانون.

لاجئة إيزيدية من العراق فرحة بتعلم رياضة الكيرلنغ في النادي الملكي الكندي للكيرلنغ في تورونتو في 15 آذار (مارس) 2017 خلال لقاء نظمه "مشروع معاً" (Together Project) الهادف لتوثيق الروابط بين اللاجئين وسائر الكنديين / Mark Blinch / Reuters

لكن هيئة الهجرة ووضع اللاجئ لم تعد قادرة على احترام مهلة الـ60 يوماً لعقد جلسات استماع لطالبي اللجوء بسبب العدد الكبير من الطلبات الذي بلغ مستويات غير مسبوقة. وأوضحت الهيئة في بيان أصدرته في 20 شباط (فبراير) 2018 أنها استنفدت كل الخيارات المتوفرة لديها للقضاء على التأخير المتراكم في دراسة الطلبات.

فقد تلقت الهيئة أكثر من 47 ألف طلب لجوء جديد عام 2017، ما يُعتبر سقفاً تاريخياً في كندا. وهذا العدد الضخم عائد جزئياً إلى موجة اللجوء من الولايات المتحدة. فقد عبر أكثر من 18 ألف شخص حدود كندا البرية بشكل غير قانوني ذاك العام وقدّموا طلبات لجوء لدى الهيئة.

وفي نهاية عام 2017 كان هناك 43 ألف ملف لجوء تنتظر قرارات من الهيئة بشأنها. وفي الأول من شباط (فبراير) 2018 بلغت فترة الانتظار المتوقَّعة لدراسة طلب اللجوء 20 شهراً.

وتفيد المعلومات التي حصلت عليها "سي بي سي" أن الصين هي البلد الأول من حيث عدد طالبي اللجوء التي أصدرت الهيئة قرارات بشأن طلباتهم بين كانون الثاني (يناير) 2013 وأيلول (سبتمبر) 2017.

ويذكر الرسم البياني أدناه بالترتيب التنازلي الدول العشر التي قدم منها العدد الأكبر من طالبي اللجوء إلى كندا ضمن الفترة الزمنية المذكورة.

لكن عدد طالبي اللجوء الصينيين بدأ يتراجع بشكل كبير ابتداءً من عام 2015، وذلك لسببيْن رئيسييْن: تراجع عدد الطلبات من أتباع حركة "فالون غونغ" الروحية وإلغاء السلطات الصينية سياسة "الطفل الواحد".

أما السبب الأول لطلب اللجوء في كندا فهو الهرب من المجرمين أو عصابات الجريمة المنظمة، لكن الأشخاص الذين يطلبون اللجوء لهذا السبب هم من بين الأقل قابلية للحصول عليه من الهيئة كما يظهر الرسم البياني التالي:

وأحد المعايير الداعمة لطلب لجوء هو تطابق وضع صاحبه مع صفة لاجئ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، أي أن تكون لديه مخاوف مبرَّرة من الاضطهاد، أو أن يكون تعرض بالفعل للاضطهاد، بسبب جنسيته أو عرقه أو دينه أو آرائه السياسية أو انتمائه لمجموعة أو فئة اجتماعية معينة.

فئة:سياسة، هجرة ولجوء
كلمات مفتاحية: