وخلف الضحكة يختبأ الانسان المرهف المفعم صدقا وشعورا...نضوج رشيد بدوري اليوم سيمنحه بطاقة عبور إلى كل الأمكنة والقلوب ليضحكها ويؤثّر فيها ويزرع على دروبها أملا وحبا وسلاما

رشيد بدّوري “واثق الخطى يمشي ملكا” ناشراً عدوى الضحك

لم يستغرق وقتا طويلا ليخترق مذياعنا ويُعزّز جلوسه على الكرسي أمامي في الاستديو ويحملنا إلى فضاءات الضحك بخفة ظل لا متناهية.

كما أضحكنا فنان الفكاهة الكندي المغربي رشيد بدّوري أبكانا، فانغمست دموع الضحك بدموع التأثر والحزن.

هكذا كان بالأمس لأول مرة في أثيرنا رشيد بدوري: عفوي، سلس، صريح، شفاف، خلوق، خجول، مرهف الاحساس، نكته صافية وعميقة…وقد اخترقنا القاعدة لأول مرة في القسم العربي لراديو كندا الدولي لتكون سابقة لدينا في ترك محدثنا يتحدث باللغة الأقرب إلى قلبه، الفرنسية، طيلة الحوار وبإذاعته كما هو عبر اليوتيوب وعبر موقعنا مع محاولة مني للترجمة إلى العربية لغالبية النقاط التي تطرق اليها الحديث وحتى الترجمة الحرفية لإجابات ضيفي المتعلقة بالحديث عن والدته الراحلة السيدة خديجة.

دعونا نكتشف اليوم رشيد بدوري الإنسان وليس فقط الفنان.

دماثة أخلاق نادرة وملفتة عند رشيد بدّوري

حاولت المنسقة الاعلامية Sylvie Svard تقديم موعد المقابلة مع ضيفنا لظرف طرأ في جدوله، فكنت على عجلة من أمري عند استقبالي لهما ليُهدئ رشيد من روعي و"يُهوّن" علي الأمر: "لا عليك، خذي وقتك".

وعندما بدأنا الحوار في الاستديو غاب عن بالي تماما أن ضيفي مستعجل كما بدد لدي أية خشية من أنه قد يكون لبى دعوتي له لتسجيل حضور عابر والسلام.

رشيد بدوري بدا مهتما بكل تفصيل ولم يتوان عن إبداء إعجابه بطريقة أدائي ولفظي للكلمات بالعربية، حتما إنه لم يفهم أية كلمة منها، فوالده من أصول بربرية ومن خوفه على اندثار لغة أجداده منع التحدث في المنزل إلا باللغة الأمازيغية.

علاوة على استرساله الشيق في الحديث، فقد ردّ ضيفي في خضم اللقاء على مكالمة والده على هاتفه المحمول.  ربما لأنه يعلم أنه في حال لم يجبه، فإن أبو رشيد سيعاود الكرة مرة واثنتين وثلاثة إلى أن يجيبه ابنه نجم الفكاهة "من دون منازع" في كيبيك والمغرب. 

محمد بدّوري متابع لتفاصيل حياة وحيده وهي مكالمة للاطمئنان أن يوم ابنه يسير جيدا.  والظاهر أن روح الدعابة وسرعة البديهة صفة موروثة عند عائلة بدوري فحين رحت أذكر له الدول التي يوجد فيها مستمعنا العربي الذي سيتعرف لأول مرة عن كثب إلى ابنه، قال لي السيد بدوري ممازحا: وماذا عن الصين؟ الا يبث البرنامج في الصين؟  والصين قلب الحدث في العالم اليوم بعد انتشار فيروس كورونا.

محمد بدوري إحدى أكثر الشخصيات شعبية في مسرح رشيد بدوري، صاحب نكتة بدوره وقد تبادل معنا الحديث بكل خفة وسلاسة.  فيما بعد يروي لنا ضيفنا الكثير عن والديه ومتابعتهما الدؤوبة لمسيرته الفنية.

خديجة ومحمد بدوري سجلا أرقاما قياسية في عدد المشاهدات لمسرح ابنهما

تجتاحك نوبة ضحك عندما تسمع رشيد بدوري يسرد عن فوز والديه بجائزة المشاهدين الأكثر نهما وشغفا.  

يقول رشيد بدوري: استحق والدي الحفاوة والتقدير لعناء حضور أكثر من 150 عرضا لابنهما على المسرح.  وهما يضحكان في كل عرض وخصوصا والدي وكأنه يسمع النكتة لأول مرة. وعندما سألت والدي لماذا هذه الهستيريا بالضحك فهي ليست المرة الأولى التي تسمع فيها النكتة، يجيبني والدي: لا يا ابني ليست ذاتها…

"لم أغيّر اسمي لأن اسم رشيد بدوري فريد ووحيد من نوعه وعلى أساسه بُنيت الشخصية الفكاهية في مسرح الستاند آب كوميدي...فخور أنا باصولي المغربية الامازيغية والكندية الفرنسية" /بعدسة Boutros Monsef

روح خديجة بدوري رفرفت في أرجاء الاستديو

"لا تنسى إطلاقا يا ابني بأنك أول مغربي يُحقق كل هذا النجاح في مجال الفكاهة في كيبيك."

هذه الكلمات لوالدة رشيد بدوري التي لعبت دورا مهما في حياته وكانت الضمير الذي يحاسب ويراقب ويصحح ويحذر كما يقول رشيد بدوري.

تغرورق عيناه بالدموع عندما يسرد واقعة مؤثرة عن والدته المرحومة أرسلت تخبره بها الطبيبة التي كانت تعالجها.

كنت داخل السيارة التي كانت تقودها زوجتي عندما فتحت خطابا وصلني من الطبيبة بعد سنة على وفاة والدتي.  لا استطيع وصف ما انتابني عند قراءة الرسالة، لم استطع السيطرة على مشاعري وطلبت من زوجتي أن توقف السيارة على الفور.

أمي في مكتب الطبيبة المنهمكة بقراءة أوراق أمامها، توجه الأسئلة إلى أمي من دون أن تنظر إليها.

-اسمك لو سمحت؟

-اسمي خديجة بدوري

-وكيف تهّجين الاسم لو سمحت

-تجيب أمي باستنفار: كيف؟ حاضر، هكذا يكتب الاسم، فأنا والدة رشيد بدوري

-آه، أوكيه

ولم تتأثر الطبيبة أو تعير الاهتمام مكملة في ملء الاستمارة الطبية؟

في هذا الوقت قرعت أمي على الطاولة بقوة، رفعت الطبيبة رأسها: نعم

-أنت لم تفهمي ما قلته لك، أنا أم رشيد بدوري

عندها بدأت الطبيبة بالبكاء من شدة التأثر وهي كتبت لي: لم أر في حياتي قط أما فخورة بولدها بهذا الشكل.

أمي كانت تملك التأثير على شعب بأكملة من دون أن تتفوه بكلمة واحدة.  

أبي كثير الكلام مثلي وإذا دخلنا معا في سوق عكاظ فنحن نجني أموالا طائلة أما أمي فكانت مقلّة في الكلام ولكن صمتها مدوي.

عندما كنت أقدمها على المسرح في نهاية عروضي كان يقف لها الحضور إجلالا ويُطفق مصفقا لأكثر من دقيقة كاملة وهي كانت تحيّه بأداء محترف وكأنها درست التمثيل طيلة عمرها.

أزهار السجادة والتحوّل الجذري في مسيرة رشيد بدوري

قرابة الساعتين والنصف الساعة مرّت بلمح البصر ليلة العرض الافتتاحي لعمله الفني الثالث، في صالة الأولمبيا في وسط مونتريال في 19 شباط/فبراير المنصرم، بعنوان: Les fleurs du Tapis

ضَحِكُ الحضور الذي ملأ كل مقاعد الأولمبيا كان متواصلا ويتحوّل في بعض الأحيان إلى صيحات وتصفيق.

في "أزهار السجادة" ينزع رشيد بدوري عنه كل الأقنعة ويتصالح مع ذاته ومع جمهوره ويقصّ كل ما شغله في السنوات السبع الماضية، كما يعود إلى بداية المشوار في العام 2005.  صفحات تتالت في مسيرته وكان منها الأبيض والرمادي والأسود. أزهار السجادة شكلت تقييما صريحا وجريئا لمشوار فني فتي عمره 15 عاما.

ببراعة وانسياب ينتقل رشيد بدوري من موضوع إلى آخر، يتحدث عن التنمر وخوفه على طفلته نايلة، عن ولادتها وبعده عنها، عن باريس والعنصرية فيها وعن تفاوت الأجور في كيبيك وعدم إنصاف الاساتذة المتخصصين وبينهم زوجته ذات الأصول السورية جولي. ، إلى ما هنالك من موضوعات تخّص وتعني كل انسان.

يقلّد والدته ووالده وأبناء الجاليات الصينية واللاتينية والغربية في مونتريال.

يتحدث عن المرض وخوفه من الموت، عن رفضه للذهاب إلى الطبيب النفسي وعن جملة من الطقوس والتابوهات والتزّمُت عند بعض المجتمعات من دون شرح أسباب واضحة لذلك.

أزهار السجادة تحظى بإجماع الصحافة النقدية في كيبيك

لا شك أن رشيد بدوري اليوم قد اكتسب نضجا ووعيا أكبر والدلالة على ذلك أن "أزهار سجادته" حظيت بإجماع النقاد في كيبيك الذين غفروا لابن مونتريال كل الهفوات السابقة.  وها هو ميثاق عهد جديد يبنى من اليوم فصاعدا مع موهبة صعدت بسرعة فائقة فكان لا بد من العودة خطوات إلى الوراء للاستعداد لوثبة جديدة ثابتة وقوية.

على أمل أن تنمو أزهار سجادة رشيد بدوري في كل أصقاع الأرض هي الامنية الأخيرة لمن تجاوز العقد الرابع من العمر ويعيش سن النضوج ليس على الصعيد الشخصي فحسب بل إنما على الصعيد  المهني أيضا.

لمن يرغب بمشاهدة "أزهار السجادة" ، هناك عروض اضافية أُعلن عنها بينها عرض في الأولمبيا في مونتريال ليلة الـ23 من أيار/مايو المقبل وسلسلة حفلات أيضا في نهاية السنة في شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل.

 

فئة:ثقافة وفنون
كلمات مفتاحية:، ، ، ، ، ، ، ،

هل لاحظتم وجود خطاّ ما؟ انقر هنا!

لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.