وصل دويّ الانفجار الهائل الذي اجتاح بيروت أمس إلى مدينة لارنَكا الساحلية في جزيرة قبرص على مسافة أكثر من 200 كيلومتر من العاصمة اللبنانية، وهزّ أيضاً لبنانيّي الانتشار في أعماقهم على بعد آلاف الكيلومترات.
"شاهدتُ الصور بشكل مباشر وشعرت بردّة فعل داخل جسمي، كما لو أنّ أحدهم سدّد لي لكمة في المعدة، فصرختُ"، تقول في مونتريال الممثلة والمخرجة الكندية ناتالي بارود، المولودة لأب لبناني وأم كندية، عن الانفجار الذي وقع في مرفأ العاصمة اللبنانية موقعاً 100 قتيل و4000 جريح حسب محصلة غير نهائية ومتسبباً بتشريد 300 ألف نسمة من بيوتهم حسب محافظ بيروت مروان عبود.
"أنا مصدومة جداً وشديدة الخوف، وهذا الأمر يؤلمني كثيراً. الوضع في لبنان سيء جداً منذ مدة طويلة، ولا وجود فيه لشبكة أمان اجتماعي كالتي نعرفها هنا. الحياة العادية للناس ستهتز فعلاً"، تضيف بارود بأسى عميق في حديث مع راديو كندا.
محمد رشيد وبيترا سبيْتي طالبان في جامعة أوتاوا (University of Ottawa - Université d'Ottawa) واتصلا بعائلتيهما وأصدقائهما في لبنان للاطمئنان عنهم فور علمهما بوقوع الانفجار.
"عندما قرأت الأخبار عجزتُ عن الكلام من شدّة الصدمة"، تقول سبيتي وهي طالبة حقوق. "أظنّ أنّ ردّ الفعل الأول لدى معظم الناس كان الاتصال بالعائلة والأصدقاء للتأكد من أنّ الجميع بخير".

جنود لبنانيون يواصلون اليوم البحث عن ناجين تحت الأنقاض في بيروت غداة الانفجار الهائل الذي وقع أمس في مرفأ العاصمة اللبنانية (حسن عمّار / أسوشيتد برس)
وظلّ الطالبان اللبنانيان مذهوليْن وهما يشاهدان أشرطة مصوّرة عن الانفجار وما أسفر عنه من خسائر في الأرواح والممتلكات.
"أشرطة الفيديو ترينا الكارثة، إنها مرعبة"، تضيف سبيتي. "ما أراه على الإنترنت وأشرطةُ الفيديو التي يرسلها لي أهلي وأصدقائي، كلّه مدمِّر"، يضيف من جهته رشيد.
ويخشى الطالبان الجامعيان من عواقب هذا الانفجار على لبنان الذي يعيش منذ أشهر طويلة أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث، والمتمثلة بإغلاق مؤسسات القطاع الخاص الواحدة تلو الأُخرى وتسريح الموظفين بأعداد هائلة وخسارة الليرة اللبنانية نحواً من 80% من قيمتها مقابل العملات الصعبة والتضخم الهائل في الأسعار والقيود الشديدة المفروضة من قبل المصارف على الودائع. وتُضاف إلى كلّ ذلك جائحة "كوفيد 19" وتبعاتها.
هذا الإنفجار أمس "كان آخر شيء نحتاج إليه في لبنان"، يقول رشيد، "لا أعرف كيف سيتمكّن بلدي من النهوض مجدداً بعد كلّ ذلك".

أحد المصابين في انفجار مرفأ بيروت أمام بعضٍ من دمار الانفجار أمس (AP Photo / Hussein Malla)
ولم يكن سهلاً على لبنانيي الانتشار الاتصال بأهلهم وأقاربهم في الوطن الأم بعد وقوع انفجار أمس بسبب الضغط المتزايد على شبكات الهاتف والإنترنت في لبنان كما قال رئيس جمعية "مشغرة" في أوتاوا وغاتينو ميشال غنطوس في مقابلة مع راديو كندا صباح اليوم.
ويضيف غنطوس في هذا الصدد أنه لم يستطع الاتصال بالأهل والأقارب صباح اليوم بسبب انقطاع التيار الكهربائي في لبنان جراء الانفجار.
ومشغرة بلدة كبيرة في جنوب شرق لبنان يقيم عدد كبير من أبنائها في العاصمة الكندية أوتاوا وفي مدينة غاتينو الكيبيكية الواقعة على الضفة المقابلة من نهر أوتاوا الفاصل بينهما.
وجائحة "كوفيد - 19" تعقّد الأمور في كندا على الراغبين بمساعدة لبنان، يقول غنطوس الذي يشير في هذا الصدد إلى صعوبة عقد لقاءات ومحاضرات حول الوضع في الوطن الأم.
لكن متى تواجدت الإرادة توفّر السبيل، كما يقول المثل الإنكليزي. "هناك شخص باشر بيع الحلويات على الإنترنت وسيقوم بإرسال المال الذي يجنيه من ذلك إلى المنكوبين في لبنان"، يقول غنطوس.

ركام الدمار في أحد شوارع بيروت اليوم جراء الانفجار الهائل الذي وقع أمس في مرفأ العاصمة اللبنانية (حسن عمّار / أسوشيتد برس)
وذكّرت المأساة التي ضربت لبنان أمس الكنديين اللبنانيين بحقبات حالكة عاشها الوطن الأم، فقالت ناتالي بارود إنّ انفجار أمس لا مثيل له منذ الحرب اللبنانية، وهي حرب أهلية وإقليمية امتدت منذ عام 1975 لغاية عام 1990.
"إنه حقاً أمر صادم، عشتُ حرب لبنان عام 2006 (بين تنظيم "حزب الله" اللبناني ودولة إسرائيل) ورأيت أشياءَ كثيرة وأعتقد أنّ الناس الذين رأوا ما جرى (أمس) في لبنان سيجدون صعوبة كبيرة في فهم ما حدث ومواصلة حياتهم مع مشهد من هذا النوع في أذهانهم"، يقول محمد رشيد.
ورغبة منه في مساعدة مواطنيه الذين تضررت منازلهم جراء الانفجار ولم تعد صالحة للسكن قرّر رشيد تقديم شقته السكنية في بيروت لمن هم بحاجة لمسكن.
"هناك أناس كثيرون بحاجة للمساعدة وليس لديهم مكان ينامون فيه حالياً. فإذا كان أحد يعرف أشخاصاً محتاجين يمكنني المساعدة بهذا الشكل"، يؤكد رشيد.
(راديو كندا / راديو كندا الدولي)
روابط ذات صلة:
كندا تعرب عن تضامنها مع لبنان والكنديين من أصل لبناني وهي "مستعدة للمساعدة"
الاستثمار في كندا بخطوات مدروسة (مقابلة عام 2014 مع الكندي اللبناني نزار نجاريان الذي قضى في انفجار اليوم في بيروت)
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.