لوحة "Montréal in Reset" الفنية الفوتوغرافية لنادين تراك

“مونتريال في حالة إعادة ضبط”، نادين تراك تعبّر بعدستها وفنّها عن وقع الجائحة

غيّرت جائحة "كوفيد - 19" حياة الناس على كوكب الأرض. ويكفي أن يخرج الإنسان من منزله وينظر حوله ليلاحظ ذلك، إن في الشارع أو في مختلف مرافق الحياة اليومية. وحتى داخل المنزل أحياناً، فإذا كان على سبيل المثال أحد أفراد العائلة مصاباً بزكام أو نزلة برد يرتفع منسوب الحذر والوقاية ويتساءل أهل البيت بقلق: "أتراه الفيروس اللعين؟".

ولكلّ امرئ طريقته في التعاطي مع الجائحة، وفي التأقلم معها.

لكن ليس كلّ إنسان قادر على التأقلم مع الجائحة. وقد يكون الفنّان من بين أكثر الناس تأثراً بها ومن الذين يواجهون صعوبات في التأقلم. وهذه حال المصوّرة الفوتوغرافية المحترفة نادين تراك.

والكندية اللبنانية نادين تراك فنّانة. فنّانة تصوير فوتوغرافي. ولأنّ جائحة "كوفيد - 19" أثّرت عليها وهزّتها من الداخل قرّرت أن تردّ وأن تعبّر عن مشاعرها، على طريقتها.

فجاء الردّ التعبيري على شاكلة لوحة فنية فوتوغرافية. هي صورة متحركة لمونتريال، المدينة التي تقيم فيها نادين منذ عقدٍ ونصف من الزمن بعد مغادرتها وطن الأرز.

صورة لمونتريال لا يعرفها من يعرف مونتريال، وإن بدت له معروفة.

صورة متحركة لمونتريال عنوانها "Montréal in Reset" ("مونتريال في حالة إعادة ضبط")، مُركّبة من مئة صورةٍ وصورة في تسلسل وضعته مخيلة نادين.

صورة تتكوّن تحت أنظارنا في أقلّ من خمسين ثانية على وقع العبارات التالية، بالإنكليزية، التي تتكرّر وفق ترتيب متغيِّر والمأخوذة أفعالُها من مصطلحات المعلوماتية: "أُمحُ ماضيك / أعد ضبطَ حاضرك / حدِّث حياتك / ثبِّت مستقبلك".

صورة نرى فيها مناظر مألوفة من المدينة: أبراجَ الوسط التجاري ومبانيَ أُخرى معروفة وجسوراً وقنوات مياه وسفينة وصورة ضخمة للمغني العالمي الراحل، ابن مونتريال، ليونارد كوهين على الجدار الجانبي لأحد المباني. لكن لا نرى فيها الكثير من الناس: شخص من جهة اليمين وآخر من جهة اليسار، على السفينة، وشرطي أو شرطية في الوسط، إضافة إلى كلب يقفز من مياه القناة إلى اليابسة. فالجائحة جعلت الناس يلزمون بيوتهم.

لكنّها صورة مغايرة للحقيقة، لن يراها من يجول في مونتريال.

"الصورة كناية عن مونتاج لعدة طبقات"، تقول نادين تراك في حديث هاتفي أجريته معها، "ما نراه ليس مونتريال الحقيقية، هي مونتريال جديدة قمتُ بتركيبها بنفسي كما نفعل بمكعبات ’’ليغو‘‘ (Lego)".

"وضعتُ هذه البناية هنا وهذا الشخص هناك وهذه السفينة في هذا المكان. غيّرتُ كلّ شيء"، تضيف نادين.

ولماذا؟ ما الهدف من ذلك؟ "وضعتُ تحدياً لنفسي وهو أني أريد تغيير كلّ شيء، على الأّ يكون الأمرُ منطقياً، لكن أريد أن يراه الناس ويتقبلوه على أنه منطقي، على أنه يحمل معنى. فمن ينظر إلى الصورة سيقول ’’لِمَ لا؟ ها هي قائمة أمامي!‘‘"، تجيب نادين.

المصوِّرة الفوتوغرافية الكندية اللبنانية نادين تراك (الصورة مقدَّمة منها)

وفكرة الصورة جاءت من عزّ الجائحة، عندما اضطرّت البلاد للإغلاق للحدّ من تفشي الوباء.

"شريك حياتي فقد عمله، وأنا أيضاً: لا مبيعات ولا معارض لصوَري"، تقول نادين تراك، "المؤسسات تسرّح موظفيها، العالم يتغيّر، كلّ شيء يتغيّر، فماذا نفعل؟".

"كلّ ما كنا نعرفه لم نعد نعرفه. تدخل إلى السوبرماركت فتتساءل عندما ترى الناس ’’هل أعيش حلماً؟ أم أنّ هذه هي الحقيقة؟‘‘"، تضيف نادين.

"أمور عديدة تعودنا عليها واعتبرناها من المسلَّمات، لكنها لم تعد موجودة وسيكون علينا التأقلم مع نمط حياة جديد ورؤية الأمور من زاوية مختلفة"، تقول نادين.

"وبالحديث عن التأقلم شعرتُ أني في مكانٍ لا أعرفه وأنه بات عليّ التصرف بطريقة لم أعهدها، وأصبحت كمن يريد مواجهة تحدٍّ ليعرف نفسه، لاسيما مع الحديث عن قانون البقاء للأقوى حسب نظرية التطور لداروين، وأن الإنسان القوي هو من سيبقى على قيد الحياة في ظلّ الجائحة، أمّا الآخرون فلا، وصرتُ أقلق على أولادي وعلينا جميعاً، كيف سنتأقلم؟"، تقول نادين تراك.

وتضيف نادين أنها في أوّل شهريْن من الجائحة شعرت بشيء من جنون الارتياب (البارانويا) لأنها وجدت نفسها في هذا العالم الجديد الذي لم تألفه ولا تفهمه، واعتبرت أنها إنسان لا يلائمه العيش في الزمن الحالي بل في فترة سابقة لعلها سبعينيات القرن الفائت، وأنها تريد ارتداء أزياء تلك الفترة من فساتين وسواها.

لكنّ نادين وجدت أنّ عليها التأقلم مع هذا العالم الجديد، ورأت أنّ شريك حياتها يتأقلم بشكل جيّد.

وصورة "Montréal in Reset" التي أنتجتها هي إثبات لنفسها وللآخرين أنه "حتى ولو لم تعد الأمور في موضعها الأساسي، فالحياة ستسمرّ وسنعتاد على الكثير من الأمور غير المألوفة، وهذه هي الرسالة التي تحملها الصورة".

مسرح انفجار مرفأ بيروت في صورة مأخوذة في 5 آب (أغسطس) 2020، غداة وقوعه، ويبدو في مقدِّمة الصورة الدمار اللاحق بإهراءات القمح والحبوب (حسين الملّا / أسوشيتد برس)

وسألتُ نادين تراك إذا كان في مخيلتها تتمة لهذه الصورة عن مونتريال، ربما في مرحلة مقبلة. فأجابتني "أريد إيجاد حلّ للبنان!".

"للبنان أريد القيام بعملٍ عن إعادة الإعمار، سأحاول تخيّل لبنان وقد أُعيد بناؤه، لكنّي لن أغيّر عَلمه كما يدعو الكثيرون لذلك على مواقع التواصل منذ الانفجار الهائل" الذي وقع في مرفأ بيروت في الرابع من آب (أغسطس) الفائت ودمّر أجزاء واسعة من المدينة موقعاً أكثر من 190 قتيلاً ونحو 6500 جريح.

"لا أريد تغيير لبنان كما غيّرتُ مونتريال، أريد إعادة بنائه وجعله أجمل ممّا كان، وأريد أن أثبت للناس أنّ هذا الأمر ممكن، لأنه حسب قانون الجذب الفكري عندما تتخيّل أمراً ما وتراه بوضوح في ذهنك يصبح احتمال تحقيقه أكبر لأنك تجذب الفكرة نحوك وتكون مستعداً لها"، تقول نادين تراك، "هي مسألة روحانية لا أستطيع إثباتها لكني أُؤمن بها".

(راديو كندا الدولي)

روابط ذات صلة:

نادين تراك فنّانة تحكي بعدستها قصص أمل وتفاؤل

عندما تلمس نادين تراك روح سكان كندا الأصليين بعدسة الكاميرا

فئة:ثقافة وفنون
كلمات مفتاحية:، ، ، ،

هل لاحظتم وجود خطاّ ما؟ انقر هنا!

لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.