الجزائر كانت على موعد أمس الأحد مع استفتاء على التعديل الدستوري الذي قدّمه الرئيس عبد المجيد تبّون .
وأعلنت السلطة الوطنيّة المستقلّة للانتخابات أنّ 66،8 بالمئة من الذين شاركوا في الانتخابات أيّدوا تعديلات الدستورفي حين عارضه 33،2 منهم.
وجرى التصويت في غياب رئيس البلاد الذي نُقل إلى ألمانيا حيث يخضع للعلاج.
وكان الإقبال على التصويت ضعيفا وبلغت نسبة المشاركة 23،7 بالمئة، وهي أدنى نسبة تصويت في الاستفتاءات التي جرت منذ الاستقلال عام 1962، وأدنى من نسبة 39،93 خلال الانتخابات الرئاسيّة التي جرت نهاية العام الماضي وفاز بها الرئيس عبد المجيد تبّون.
وكان الرئيس عبد المجيد تبّون قد عيّن لجنة أوكل إليها مهمّة تعديل الدستور لتلبية مطالب الحراك الشعبي الذي انطلق العام الماضي وأطاح بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم البلاد طوال 20 عاما.
و ترى السلطة أنّ التعديل الدستوري يسير بالبلاد نحو "جزائر جديدة" في حين يرى المعارضون أنّه لا يأتي بجديد يرضي تطلّعات الشعب الجزائري.
واختلفت آراء الجزائريّين بين مؤيّد ومعارض حول المشاركة في التصويت في الاستفتاء على التعديلات الدستوريّة التي جاءت وسط أزمة اقتصاديّة خانقة يعانيها الجزائر بسبب تراجع أسعار النفط والغاز، زادتها تفاقما جائحة فيروس كورونا.
وهنا في كندا، شارك في التصويت أبناء الجالية الجزائريّة المنتشرون في عدد من المدن، من بينها مونتريال وكيبيك وأوتاوا، على غرار الجزائريّين في الخارج.
حول الاستفتاء ونتائجه والمشاركة اضئيلة فيه والتحدّيات التي تواجه الجزائر، يستضيف القسم العربي في راديو كندا الدولي د. ميلود شينوفي أستاذ العالاقات الدوليّة في معهد القوّات الكنديّة في تورونتو.
يقول د. شينوفي إنّ هناك مجموعة من العوامل تفسّرالإقبال الضعيف على التصويت .
فالعقليّة السياسيّة السائدة على المستوى الشعبي ومستوى المعارضة تعتبر أنّ المشاكل السياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة والصحيّة وسواها لا يُمكن أن تُحلّ من خلال نصّ قانوني ، وهناك بالمقابل عقليّة تقول إنّ حلّ المشاكل السياسيّة ينبغي أن يتمّ في إطار قانوني، والحلّ حسب رأي د. شينوفي هو في المزج بين الموقفين.
ويتابع د. شينوفي فيقول إنّ الأطراف المنظِّمة للتعديل الدستوري كانت تتوقّع نسبة مشاركة ضعيفة وكان هدفها تمرير الدستور أيّا كانت نسبة المشاركة، وإرساء اللعبة السياسيّة التي تسمح بالانتقال إلى نظام ديمقراطي.
ومستقبل الحراك بعد الاستفتاء يتعلّق بمدى تحلّي المعارضة بروح المسؤوليّة والحنكة السياسيّة كما يقول.
فالمعارضة مشتّتة و تتجاذبها إيدولوجيّات مختلفة، وهناك أطياف إيديولوجيّة عديدة، من بينها التيّارات الإسلاميّة، غير مقتنعة أساسا بالمبادئ الديمقراطيّة والقيم الليبراليّة.
أضف إلى ذلك الخطاب السياسي المبني على الشتائم والإقصاء وهي ممارسات لا يمكن أن تؤدّي إلّا إلى فوضى سياسيّة.
وحول رفض الإسلاميّين الدعوة للاستفتاء، يقول د. ميلود شينوفي إن الإسلاميّين منقسمون إلى قسمين:
الإخوان المسلمون الذين دعوا إلى المشاركة في التصويت ورفض التعديل لاعتبارات إيديولوجيّة ليس لها ما يبرّرها لأنّ الدستور لا يمسّ بالثوابت الدينيّة والهوياتيّة.
والطرف الثاني هم السلفيّون، أكثر الحركات الإسلاميّة تطرّفا، ويختلفون عن السلفيّين المصريّين الذين هم أكثر مهادنة للسلطة، وهم متحالفون مع أطراف في المعارضة الجزائريّة كما يقول د. ميلود شينوفي،.
وتصريحات الإسلاميّين السياسيّين مبنيّة على اعتبار مشكوك فيه، لأنّهم يعتقدون أنّ المعارضة لم تشارك في التصويت تجاوبا مع ندائهم للمقاطعة، وهو اعتقاد خاطئ.
وحول النقاط الإيجابيّة التي وردت في التعديل الدستوري، يرى د. ميلود شينوفي أنّ الجزائر ليس في حاجة لتعديل الدستور إلّا في ما يخصّ تحديد عهدة رئيس الجمهوريّة.
والمشكلة أنّ الدساتير المتتالية كانت كلّها تميل إلى الروح الديمقراطيّة والليبراليّة، ولكنّ الممارسة من قبل السلطة والمعارضة لم تواكب الديمقراطيّة.
ويضيف د. شينوفي ردّا على سؤال بأنّ الدستور يعطي الرئيس صلاحيّات كبيرة، وهناك منذ السبعينات، توازن في الممارسة السياسيّة بين رئاسة الجمهوريّة والجيش والمخابرات، وتاريخ الجزائر يظهر أنّ رئيس الجمهوريّة صاحب مركز قويّ وله القدرة في فرض هيمنته على الجميع.
والقول بأنّ الرئيس عبد المجيد تبّون هو دمية في يد الجيش كلام ينقصه التحديد كما يقول د. ميلود شينوفي.
وحول مشاركة الجيش الجزائري في مهمّات في الخارج كما ينصّ عليه أحد بنود الدستور الجديد، يقول د. شينوفي إنّ التدخّل صعب، خصوصا أنّ طبيعة مهمّات السلام تغيّرت من حفظ السلام إلى صناعة السلام.
والمشاركة تكون خارج الإقليم الجغرافي للجيش لتجنّب النزاعات، ومن الأفضل اختيار مهمّات خارج شمال إفريقيا.
والمشاركة على سبيل المثال في مهمّة دوليّة في ليبيا، تطرح مشكلة بين الجزائر والمغرب، فضلا عن أنّ المشاركة تتطلّب التمويل، رغم أنّ الجزائر يحصل في هذه الحالات على مساعدات من الأمم المتّحدة.
وحول استشراف المرحلة المقبلة في الجزائر يقول د. ميلود شينوفي إنّ السلطة تخطئ إن اعتقدت أنّها قطعت شوطا مهمّاعلى طريق العودة بالأمور إلى ما كانت عليه في السابق، وهي واعية بأنّها تحتاج إلى أكثر ممّا قامت به.
وينبغي بالمقابل أن تتحلّى المعارضة بروح المسؤوليّة وهيكلة نفسها، والأمر سيّان بالنسبة للحراك الذي عليه أن نظرة ديمقراطيّة تحفظ احترام الغير وهي فكرة ما زالت غائبة حتّى الآن كما يقول د. ميلود شينوفي أستاذ العلاقات الدوليّة في معهد القوّات الكنديّة في تورنتو.
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.