هل اللغة الفرنسية كعب أخيل الليبراليين؟ هذا ما تساءله مراسل راديو كندا في العاصمة الفدرالية أوتاوا كريستيان نويل في تحليل.
يرى نويل أنّ رئيس حكومة الحزب الليبرالي الكندي جوستان ترودو قد يشعر أنه يسير في حقل ألغام وأنّ قسماً كبيراً من هذه المتفجرات التي تحيط به زرعها أشخاص من حزبه.
وإذا كانت أحزاب المعارضة تسدد الأهداف الواحد تلو الآخر في مرمى الليبراليين في ملفّ اللغة الفرنسية فلأنّ الحزب الحاكم سهّل عليها المهمة.
فالنائبة الليبرالية إيمانويلا لامبروبولوس التي تمثّل في مجلس العموم دائرة "سان لوران" في مونتريال شكّكت في صحة معلومات عن تراجع الفرنسية في مدينتها، كبرى مدن مقاطعة كيبيك.
وهذا ما جعل حزب المحافظين الكندي، الذي يشكل المعارضة الرسمية في مجلس العموم، والحزبَ الديمقراطي الجديد، اليساري التوجه، يطالبان أمس بإقالتها من عضوية اللجنة الدائمة حول اللغتيْن الرسميتيْن. واليوم ضمّت الكتلة الكيبيكية صوتها إلى الحزبيْن المعارضيْن في هذا المطلب.

النائبة الليبرالية في دائرة "سان لوران" في مونتريال إيمانويلا لامبروبولوس (Graham Hughes / CP)
واستجابت لامبروبولوس لدعوات المعارضة، وربّما لنصيحة من داخل حزبها الليبرالي أيضاً، فأعلنت بعد ظهر اليوم استقالتها من اللجنة الدائمة حول اللغتيْن الرسميتيْن.
وكانت لامبروبولوس قد تراجعت في وقت سابق عن كلامها لينسجم موقفها مع موقف حكومة حزبها التي أقرت بتراجع الفرنسية في كيبيك وفي سائر كندا.
ويوم أمس نشرت رئيسة الحزب الليبرالي الكندي في كيبيك تشيلسي كريغ رسالة على موقع "تويتر" قالت فيها "أريد أن أكون واضحة: أولاً، الفرنسية تتراجع في كيبيك ويجب حمايتها، وثانياً، القانون 101 مُهم، وثالثاً، من المهم تَلقّي الخدمة (في المتاجر والمؤسسات) بالفرنسية في كيبيك ومن ضمنها مونتريال".
وتغريدة أمس جاءت تزيل الالتباس الناجم عن تغريدات سابقة نشرتها كريغ قبل نحو شهريْن، قبل أن تزيلها، ووصفت فيها القانون 101 في كيبيك بأنه "قمعي" و"قوّض" التعليم بالإنكليزية في هذه المقاطعة. ولم تنفِ كريغ تلك التغريدات التي جاءت في إطار حوار مع شخص آخر.
وشرعة اللغة الفرنسية في كيبيك، المعروفة على نطاق واسع بـ"القانون 101"، تلزم أولاد المهاجرين في المقاطعة بمتابعة الدراسة بالفرنسية.

زعيم حزب المحافظين إرين أوتول متحدثاً في مجلس العموم في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري خلال فترة الأسئلة (Adrian Wyld / CP)
ويرى نويل أنّ كلام الليبراليتيْن لامبروبولوس وكريغ ألحق الأذى بحزبهما، وهو يُضاف إلى أخطاءٍ أُخرى وزلّات قدم من قبل السلطات الفدرالية في الأشهر الماضية: تعليمات بالإنكليزية فقط على منتجات لمكافحة جائحة "كوفيد - 19"، وخلاف مع حكومة كيبيك حول تطبيق شرعة اللغة الفرنسية في المؤسسات الفدرالية العاملة في كيبيك. كما أنّ تحديث قانون اللغتيْن الرسميتيْن تأجّل إلى العام المقبل.
ودون مفاجأة اغتنم كلّ من حزب المحافظين والكتلة الكيبيكية الفرصة لاتهام الحزب الليبرالي برمّته بأنه يذمّ اللغة الفرنسية ولا يقوم بما يلزم لحمايتها.
وهذا ما دفع، منذ يوم الاثنين، وزيرة التنمية الاقتصادية واللغتيْن الرسميتيْن ميلاني جولي، وهي نائبة عن إحدى دوائر مونتريال، للإعراب عن ذهولها من كلام زميلتها النائبة لامبروبولس، وجعلَ رئيس الحكومة الليبرالية، الذي يمثّل أيضاً إحدى دوائر مونتريال، يقول إنّ من المقلق وغير المقبول عدم تلقّي الخدمات بالفرنسية في مونتريال وإنه يدعم القانون 101.
كما تبنّى مجلس العموم اقتراحاً قدّمه الليبراليون وجاء فيه أنّ وضع الفرنسية هشّ وأنّ الحكومة تتعهد بتقديم خطة عمل لحماية هذه اللغة.

وزيرة التنمية الاقتصادية واللغتيْن الرسميتيْن في الحكومة الفدرالية ميلاني جولي تجيب على سؤال في مجلس العموم في أوتاوا (Justin Tang / CP)
وهذه "الانتصارات الصغيرة" في مجلس العموم، كما يصفها نويل، قد تترك آثاراً على المدى الطويل، وهو ما تأمله المعارضة وتخشاه حكومة الأقلية الليبرالية.
فالمحافظون يكسبون نقاطاً في أونتاريو، كبرى المقاطعات من حيث عدد السكان، وإن كان الليبراليون لا يزالون فيها في المرتبة الأولى. وفي كيبيك شعبية الكتلة الكيبيكية تترسّخ، أما مقاطعات الغرب فليست أرضاً خصبة لليبراليين.
يُشار إلى أنّ الكتلة الكيبيكية تنتمي ليسار الوسط وتدعو لاستقلال مقاطعة كيبيك عن الاتحادية الكندية، وهي لا تقدّم مرشحين سوى في كيبيك، ثانية كبيرات المقاطعات، التي تتمثل في مجلس العموم بـ78 نائباً من إجمالي النواب البالغ عددهم 338 نائباً.
ونالت الكتلة 32 نائباً في الانتخابات العامة الأخيرة في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 لتصبح ثاني أحزاب المعارضة في مجلس العموم. وساهم أداؤها الجيد آنذاك في حرمان الحزب الليبرالي بقيادة جوستان ترودو من الفوز بحكومة أكثرية لمرةٍ ثانية على التوالي.
وبالتالي يحتاج ترودو لأداء جيّد في كلّ كيبيك، وليس فقط في مونتريال التي تعتبر حصناً لحزبه الليبرالي، من أجل الفوز بحكومة أكثرية في انتخاباتٍ مقبلة.

الفرنسية والإنكليزية هما لغتا كندا الرسميتان (الصورة لـRadio-Canada)
ويرى كريستيان نويل أنّ أخطاء الليبراليين في ملفّ اللغة الفرنسية ذي الأهمية الكبيرة في مقاطعة كيبيك تُشكل مرحلة صعبة لجوستان ترودو على المستوييْن السياسي والشخصي.
فترودو وعد في خطاب العرش الأخير بـ"تعزيز" قانون اللغتيْن الرسميتيْن وأخذ "الواقع الخاص للغة الفرنسية" بالاعتبار.
وقانون اللغتيْن الرسميتيْن الذي صدر عام 1969 هو من إرث رئيس الحكومة الليبرالية الراحل بيار إليوت ترودو، والد جوستان. وهذا القانون وضع الفرنسية والإنكليزية على قدم المساواة.
وآخر ما يحتاج إليه ترودو حالياً هو أخطاء من داخل حزبه تنسف جهود حكومته لتعزيز الفرنسية وحمايتها في كيبيك وسائر كندا.
والفرنسية والإنكليزية هما لغتا كندا الرسميتان. لكنّ الفرنسية، الأقدم في كندا من الإنكليزية، لا تشكل لغة الأكثرية سوى في مقاطعة واحدة هي كيبيك.
(راديو كندا / صحيفة "مترو" / صحيفة "لو جورنال دو مونتريال" / راديو كندا الدولي)
روابط ذات صلة:
الكيبيكيون قلقون على مستقبل الفرنسية في مقاطعتهم
الصعوبات مستمرة في مجال خدمات اللغة الفرنسية على الحدود
مفوّض اللغتيْن الرسميتيْن في كندا يُطالب بقانون جديد قبل حلول عام 2021
إطلاق عملية مراجَعة لـ”قانون اللغتيْن الرسميتيْن” في كندا
لامبروبولوس تفاجئ الجميع بالفوز في السباق الليبرالي في سان لوران
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.