ردّ المعروف بالمثل هو عربون وفاء وعدم نكران للجميل وهو يأخذ حيزا مهما في العلاقات بين البشر والشعوب منذ بدء البشرية.
أروي لكم اليوم تفاصيل قصة عمرها أكثر من قرن كامل عن علاقة توطدت وتعمّقت بين المدينة الكندية هاليفاكس عاصمة مقاطعة نوفا سكوشا في الشرق الكندي وجارتها مدينة بوسطن في ولاية ماساشوستس الأميركية على ساحل المحيط الأطلسي أيضا.
يوم السادس من كانون الأول/ديسمبر من العام 1917 كان يوما أسودا وقع على نوفا سكوشا وأهلها، المعروف بانفجار هاليفاكس الكبير، عندما انفجرت سفينة شحن محمّلة بالذخيرة في ميناء مدينة هاليفاكس مما أسفر عن مقتل نحو 2000 شخص وإصابة 9000 آخرين بجروح وتشريد أكثر من 000 25 شخص.
يومها اصطدمت باخرة فرنسية محملة بالذخيرة بسفينة نرويجية في ميناء هاليفاكس، في حادثة أسفرت عن أكبر عدد من الضحايا واكبر نسبة من الأضرار المادية. كانت سفينة الشحن الفرنسية "Mont Blanc" تحمل ذخيرة ومتجهة إلى أوروبا التي كانت في خضم الحرب، عندما اصطدمت بسفينة الشحن النرويجية "SS IMO"، في مرفأ هاليفاكس، مما أدى إلى اشتعال النيران في السفينة الفرنسية وانفجارها بعد نحو عشرين دقيقة.
في ذلك الوقت، هبّت مدينة بوسطن في شكل خاص لمساعدة المدينة المنكوبة وحملت إليها المعونة الطبية.
ولم تنتظر هاليفاكس طويلا لترد الجميل بمثله لمدينة بوسطن إذ قدّمت بدورها في العام التالي ممرضات ضحّين بحياتهن من أجل إنقاذ أهل بوسطن عندما عصفت في سمائهم الانفلونزا الاسبانية في العام 1918.
وأكثر من ذلك تقوم المقاطعة الأطلسية الكندية كل عام بإهداء شجرة الميلاد إلى مدينة بوسطن تذكارا ووفاء للجميل والمعروف الذي صنعته هذه الأخيرة مطلع القرن للكنديين.
وتكشف المديرة العامة لأرشيف الممرضات في مركز العلوم الصحية الجامعي Queen Elizabeth II Health Sciences غلوريا ستيفنز، في حوار مع هيئة الإذاعة الكندية، تفاصيل جديدة عن البعثة التمريضية التي توجهت إلى بوسطن إبان الانفلونزا الاسبانية.
تقول ستيفنز إن الممرضات في نوفا سكوشا كن قد اكتسبن مهارات معترف بها في رعاية الأشخاص المصابين بأمراض بالغة خلال الحرب. في ذلك الوقت لم تكن هناك أجهزة تنفس أو لقاحات أو أدوية. وكانت الممرضات الكنديات يستخدمن حمامات الماء البارد والإسفنج لخفض درجة حرارة المرضى.
إن الممرضات في نوفا سكوشا قدمن رعاية صعبة للغاية بدون المعدات المتوفرة لديهن اليوم(غلوريا ستيفنز).
وتقّص المديرة العامة لأرشيف المركز الصحي الكندي بأن بوسطن عانت في ذلك الوقت نقصا حادا في الممرضات بسبب تفشي الأنفلونزا الإسبانية بسرعة قصوى، "وتأتي استغاثة غير متوقعة من قبل مستشفى بوسطن إلى مستشفى فكتوريا العام في مدينة هاليفاكس".
اتصل مستشفى بوسطن الفاقد الحيلة تجاه الوضع المتفاقم بمستشفى فيكتوريا في هاليفاكس وطلب ممرضات.
ماتت الممرضتان الأختان جورجينا ووينيفريد فليمنج معًا في بوسطن أثناء تأديتهما لرسالتهما السامية. وفي الصورة قبرهما في ماساتشوستس الذي سيظّل يُذكر بالتضحيات التي قدمتها الممرضات الكنديات من مقاطعة نوفا سكوشا/FINDAGRAVE.COM
وتتابع غلوريا ستيفنز بأنه تمركزت معظم حالات الإنفلونزا الإسبانية البالغ عددها 85000 حالة والوفيات البالغ عددها 1256 حالة في ماساتشوستس في أيلول/سبتمبر من ذلك العام في بوسطن. وعلى الرغم من الخطر ، فقد تطوّع العديد من الممرضات من نوفا سكوشا على الفور.
كن يعلمن أن الموقف حرج وأنهن يستطعن المساعدة. أعتقد أنه في طبيعة رسالتهن كممرضات أن يرغبن في المساعدة أينما كانت هناك حاجة إليها.
إن بوسطن ساعدت هاليفاكس في العام 1917 وساعدت هذه الأخيرة جارتها الأميركية في العام 1918.
وصلت إلى بوسطن ثلاثون ممرضة من نوفا سكوشا في خريف العام 1918 ووافت المنية 12 منهن على الأقل بسبب الفيروس الذي كن يحاولن السيطرة عليه.
بين الممرضات اللواتي لقين مصرعهن الأختان جورجينا ووينيفريد فليمينج. ذهبت الشابتان من لندنديري في كولشيستر في نوفا سكوشا، إلى بوسطن لمساعدة المرضى. أصيبتا بالفيروس وتوفيتا في تشرين الأول/أكتوبر 1918.
يحفظ الأرشيف كما تروي غلوريا ستيفنز كتابات تصف التجربة المؤلمة للممرضات الكنديات اللواتي ضحين بحياتهن.
كتبت إحدى الممرضات: وقفت بجانب سرير المريض ورحت أتنفس بعمق في ظن مني أنني اساعده هو على التنفس.
وتعرب غلوريا ستيفنز عن أسفها لأن تضحية هؤلاء النساء قد تم نسيانها. وتأمل في أن تساهم أبحاثها في الكشف عن تاريخهن وفي جعل الناس يفكرون في المخاطر التي تتعرض لها الممرضات مع تفشي وباء COVID-19 اليوم.
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.