توفي اليوم الثلاثاء 11 مايو 2021 الأخصائي في علم الإنسان والكاتب والإعلامي الكندي سيرج بوشار عن عمر يناهز الـ 73 عاما/PEDRO RUIZ

وفاة عالم الأنثروبولوجيا “المساهم في تطوير المعرفة في كيبيك” سيرج بوشار

نعى عالم الأنثروبولوجيا الكندي المرموق سيرج بوشار الرحيل قبل أوانه، حيث قال مؤخرا في حديث على أثير هيئة الإذاعة الكندية: "أجد نفسي اليوم وحيداً، مثل حبة حمص صغيرة، أتقدّم في العمر بكل الآلام في جسدي والوهن في ظهري، مجبر على التنقل على كرسي متحرّك...يذكرنا الوباء بالأمور الأساسية في دنيانا: الحياة والموت. من يحيا ومن توافيه المنية، قدر نواجهه كل يوم".

سئم هذا الكاتب الكندي تكاليف الحياة بعدما كسره فراق شريكة حياته مرتين وزادت جائحة كوفيد-19 الطين بلّة ليسكن التشاؤم قلبه وتتغلّف روحه بالضيق والسقم. 

عجّل كل ذلك برحيل سيرج بوشار الذي كان يُنتظر خروجه من المستشفى نهاية هذا الأسبوع، ووافته المنية على فراش المستشفى اليوم الثلاثاء 11 مايو 2021.

في لقاء عبر أثير هيئة الإذاعة الكندية في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، يسأل المحاور سيرج بوشار عن حاله؟ فيجيب هذا الأخير:

"كانت سنة صعبة للغاية، لقد فقدت زوجتي هذا الصيف، ماتت بسبب ورم في المخ. جمعنا حب عظيم، وهي المرّة الثانية التي أفقد فيها زوجتي بسبب مرض السرطان. وفقدت زوجتي الأولى بعد 27 عاما من العيش المشترك والثانية بعد 23 عاما من عمر أمضيناه سويا. فجيعة صعبة للغاية، وها أنا أجد نفسي اليوم وحيدا تماما… سجين الشقة السكنية التي أقيم فيها مع ابنتي الشابة ابنة الـ 20 ربيعا".

على الرغم من ذلك، لم يتقاعد ابن كيبيك البار أو يعتزل الراديو والكتابة. وظلّ يمارس نشاطه الأدبي ويواظب على تقديم برنامج أسبوعي على أثير هيئة الإذاعة الكندية، وكان توّقف عن المشاركة في تقديمه في الأسابيع الأربعة الأخيرة فقط بسبب وعكة صحية ألّمت به. 

هذا وكانت صدرت آخر المؤلفات الأدبية لسيرج بوشار مطلع شهر آذار/مارس الماضي. "فنجان قهوة مع ماري" كتاب حمل نصين توّجه بهما إلى زوجته الراحلة ماري والنصوص الباقية في المؤلف هي المقالات الافتتاحية التي كتبها للبرنامج الإذاعي بعنوان: "إنه جنون"، الذي كان يشارك في تقديمه على أثير هيئة الإذاعة الكندية.

طالما اعتمد سيرج بوشار التناقص في أقواله واعتنق الأبيض والأسود معا، أي النقيضين والضدين، إذ كان يكرر في كتاباته القول:

"إنني الرجل الأسعد في العالم، كما أنني الرجل الأتعس أيضا على وجه هذه البسيطة".

"المسارات الملتوية" كتاب صدر في العام 2000 لسيرج بوشار/راديو كندا

سئل سيرج بوشار مؤخرا: كعالم أنثروبولوجيا وكشيخ حكيم، ماذا يخبرك الوباء عنا نحن البشر؟ فأجاب:

"الملاحظة الأولى التي تتبادر إلى الذهن دائمًا هي أنه لا توجد مفاجآت في وجود وظهور هذا الوباء. وهو على الأرجح ينبئنا بأوبئة أسوأ بكثير في المستقبل.

يتعلق الأمر بحقيقة وجود ما يقرب من ثمانية مليارات نسمة على الأرض. ثمانية مليارات إنسان هو عدد كبير من الناس. ويقضي القانون الطبيعي للكائنات بتقليص هذه الأعداد، أما الطريقة لذلك فهي الأوبئة، الأمراض، البكتيريا… كما يقول سيرج بوشار".

"أنا لست متفائلًا جدًا، قال بوشار. نحن حقا وبالتأكيد أمام مجهول في مواجهتنا لهذا الوباء".

مسيرة حافلة

سيرج بوشار خريج جامعة لافال وجامعة ماكجيل. درس معرفة الصيادين من الأمم الأوائل في لابرادور وثقافة سائقي الشاحنات للمسافات الطويلة في شمال كندا. وهي الموضوعات التي تناولها في برامجه الإذاعية على مدار 25 عاما وفي كتبه وفي أبحاثه في علم الأنثروبولوجيا.

يقول جان-فيليب بلو الذي يقدم البرنامج الإذاعي "إنه جنون" مع الراحل سيرج بوشار:

"كثيرًا ما كان يقول سيرج إن المهم في الموت هو تعزيز الوجود في الغياب. وهذا ما سأفعله الآن".

هذا ونعى الوسط السياسي فقيد كيبيك، وغرّد رئيس حكومة كيبيك فرنسوا لوغو على حسابه على تويتر قائلا:" لقد فقدت مقاطعة كيبيك حكيما كبيرا، وأتقدم بالتعزية لأفراد أسرته". وتابع لوغو: "تفقد كيبيك شخصا قام بتحليل المجتمع من كل زاوية، كان بمقدوره أن يعملنا الكثير في الوقت الذي يحدثنا فيه عن أشياء بسيطة وسلسلة".

كذلك عبّرت عمدة مدينة مونتريال فاليري بلانت عن حزنها على غياب بوشار وقالت: "إنني كأخصائية في علم الأنثروبولوجيا أيضا، استطعت إدراك مساهمة السيد بوشار في تكوين المعرفة في كيبيك، إنه مفكر عظيم يغادرنا".  

بجو من البشاشة والمرح كان يقدم سيرج بوشار مع جان-فيليب بلو البرنامج الإذاعي "إنه جنون" كل مساء أحد عبر أثير راديو كندا، الصورة التقطت لهما قبل الوباء/راديو كندا

من جهته، قال زعيم الحزب الكيبيكي السابق جان-فرنسوا ليزيه: "إن سيرج بوشار كان روائيا بارزا ولديه معرفة كبيرة بتاريخنا".

"كان يملك حضورا استثنائيا، كان الحكواتي الذي يروي قصصا من خياله، وقعت قبل ثلاثة قرون، يسردها بقدر كبير من الإنسانية وبأسلوب فكاهي سلس". 

حذّر "حكيم كيبيك" الراحل الذي ترك أكثر من عشرين مؤلفا أدبيا وتخصص في تاريخ وثقافة السكان الأصليين في كندا، من الأشخاص الذين يبدأون كل جملهم بهذه العبارة: "بصراحة وبصدق"؛ إن هؤلاء الناس لديهم ما يخفونه" على حد تعبير سيرج بوشار.

وفي سؤال عما إذا كان الإنسان حراً، يجيب سيرج بوشار: "إن الكائن البشري لا يساوي شيئا بمفرده، إنه مجموع ما سيتعلّمه في هذه الحياة وهو سيكون سعيدا في استقرار معين، إذا فإن الأمر نسبي".

(المصدر: هيئة الإذاعة الكندية)

فئة:ثقافة وفنون
كلمات مفتاحية:، ، ،

هل لاحظتم وجود خطاّ ما؟ انقر هنا!

لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.