المعاناة النفسية لمرضى الكورونا من المسنين كانت أكبر بكثير من المعاناة الجسدية وهم نجوا من الموت بمعجزة/حقوق الصورة: Getty

متعافون من كوفيد-19 يروون الآثار النفسية لمن ذاق طعم الموت

كانت الحالة المسيطرة في العالم في بداية جائحة الـ كوفيد-19 تشبه البيت الشعري لأحد أشهر شعراء العرب في الجاهلية زهير بن أبي سلمى الذي يقول:

رأيت المنايا خبط عشواء، من تصب تمته…

سيطر الخوف والذعر في نفوس شعوب الكرة الأرضية من وباء يفتك بالصغير والكبير ولا يميز بين الأجناس والطبقات والأعمار والجنسيات. ضحاياه يختارهم بطريقة عشوائية تاركا أصحاب العلم وروّاد البحوثات الطبية والسلطات الصحية عبر أنحاء الكرة الأرضية من دون استثناء، في حيرة من أمرهم. هؤلاء كان لا حول ولا قوة لهم في مجابهة عدو مجهول الهوية والملامح، الفيروس التاجي الذي سرعان ما تحوّل إلى جائحة استشرت في أنحاء كوكب الأرض.

وتزايد الخوف في نفوس الأشخاص المتقدمين في السن الذي خُيّل إليهم بأن لا نجاة لهم من هذا الوباء وأن موتهم مؤكد في حال أصيبوا بالفيروس. وذلك بعدما نقلت الأخبار حصد فيروس الكورونا لكبار السن في شكل خاص في مدينة لومباردي الإيطالية.

يروي مسنون كنديون أصيبوا بالفيروس وهم اليوم تماثلوا للشفاء "مواجهاتهم الشرسة مع الموت وتمسّكهم بطوق النجاة حتى النفس الأخير".

من جهتهم، يتحدث خبراء واختصاصيون في علم النفس عن اضطرابات عصبية تسمى في الطب النفسي باضطراب ما بعد الصدمة التي سيعاني من أعراضها الناجون من الكورونا.

نورمان لوبلند انتصر على الموت ناجيا "بمعجزة" بعد إصابته بالفيروس التاجي/حقوق الصورة: RADIO-CANADA / NICOLE GERMAIN

ُنقل نورمان لوبلند (71 عاما) في العاشر من نيسان/أبريل الماضي إلى قسم الطوارىء في المستشفى بعد إصابته بالفيروس التاجي وكادت تُزهق روحه التي لامست سراديب الظلمة "لينجو من براثن الموت باعجوبة" على حدِّ تعبيره. 

في المستشفى وضع نورمان لوبلان 21 يوما في غيبوبة اصطناعية، و33 يوما تحت أجهزة التنفس الاصطناعي وقضى شهرين في المستشفى وشهر ثالث أمضاه في مركز لإعادة التأهيل. ويقول الأطباء الذين عالجوه بأنه بحق وصل إلى بوابة الموت ونجا منه بمعجزة.

ويعتبر المواطن الكندي الذي يعيش في جنوب مدينة مونتريال، المتعافي من الـ كوفيد-19، بأن معاناته كانت نفسية أكثر منها جسدية:

فكرت في كل شيء وفي كل الاحتمالات خصوصا أن آلاف الناس قد لاقوا حتفهم بعد إصابتهم بالجائحة، ولن أشكل أنا استثناء وسألحق بهم".

لم نكن نسمع أي شيء عن الأشخاص الذين تماثلوا إلى الشفاء، وكان نسمع على شاشات التلفزة عن الأموات فقط. كنت أسأل نفسي: هل يا ترى سأخرج من المستشفى على نعش أم ماشيا على قدميّ؟

بعد أن استيقظت ، عاملوني. [...] أتذكر أنني بكيت بضع مرات ، ربما ثلاث مرات. لأنني رأيت ما يجري منذ البداية ورأيت أنني أموت عندما عدت إلى هناك. [...] لا بد أني صرخت من أجل ذلك ، لأكون محظوظًا بما يكفي لإنقاذي. اعتقدت أنها كانت معجزة.

الصدمة النفسية وأنت على قاب قوسين من الموت 

تقول أستاذة علم النفس في جامعة لافال في كيبيك جنفياف بيلفيل:

إن الناس الذين واجهوا الموت وكانت حياتهم مهددة وفي خطر هم عرضة للإصابة باضطراب ما بعد الصدمة العصبي.

وتجد هذه الاختصاصية التي تمتلك خبرة طويلة في الطب النفسي، أن الكوفيد-19 يشكل سببا محتملا للإصابة بالداء النفسي الذي يطلق عليه علماء النفس: اضطراب ما بعد الصدمة. لا سيما أن الإصابة بالجائحة تعّد إصابة بمرض خطير قد يؤدي إلى الموت وهذا يثير الذعر والقلق النفسي بلا شك.

في إيطاليا، دلّت دراسة أجريت مؤخرا إلى أن 30% من إجمالي عدد السكان بما فيهم المرضى، أظهروا عوارض لهذا الاضطراب النفسي بسبب الجائحة.

ثار جسدية طفيفة لا يزال يحملها نورمان لوبلند الذي كتب له عمر جديد/حقوق الصورة: RADIO-CANADA / NICOLE GERMAIN

ينعم اليوم نورمان لوبلند بصحة جيدة وهو يعاني قليلا من أوجاع في قدمه بسبب الغيبوبة الاصطناعية التي خضع لها.

بالنسبة إلى الحالة الجسدية لا زالت هناك أوجاع في رجلّي وذراعي ولكن عقلي سليم، هذا لأنني إيجابي أصلا في الحياة ولم أصب بالإحباط يوما...

(المصدر: الصحافة الكندية، هيئة الإذاعة الكندية)

روابط ذات صلة:

جائحة "كوفيد-19 تسببت بتغييرات جذرية في نفقات الكنديين

دروس من الجائحة:"وُولمارت كندا" يستثمر 3،5 مليارات دولار لتحسين خدمة الزبائن

فئة:صحة
كلمات مفتاحية:

هل لاحظتم وجود خطاّ ما؟ انقر هنا!

لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.