أحلام الطفولة هي ذلك الانعتاق والتحليق والحرية وعندما يصيغها فنان فذّ فهو سرعان ما يُبهرك ويدهشك ويدخلك بدورك إلى عالمه وأحلامه كما في صورة هذه الخيول المنفلتة من كل قيد/كافاليا

يُحلّقُ الفنان نورمان لاتوريل بعيدا لأنه يستطيع بعدُ مداعبةَ أحلامِه

أتذكر تماما تأكيد الفنان الكندي نورمان لاتوريل لمذياع القسم العربي لراديو كندا الدولي، في كل مرة كنت أجري فيها حوارا صحافيا معه، بأنه "حالم كبير لم ينكفئ يوما عن مداعبة أحلام طفولته". وهو في كل مرة يصيغ حلما جديدا، يحيله واقعا مدهشا، ولا يستأثر بأحلامه بمفرده بل يشارك بها أهل الأرض قاطبة عبر عروض فنية استثنائية قدمها على المسارح في كندا والعالم. 

كوليت ضرغام تحاور نورمان لاتوريل قبل بدء عروض "أوديسيو" في مونتريال في العام 2011/ راديو كندا الدولي

خطوة الألف ميل في مسيرة نورمان لاتوريل بدأت في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي كمتعهد حفلات لفنانين من مقاطعة كيبيك والترويج لموسيقاهم محليا في كندا. لينضم لاتوريل منتصف الثمانينيات إلى فريق السيرك الكندي العالمي "سيرك الشمس" Cirque Du Soleil في بداياته في ذلك الوقت، مساهما بدوره في الابتكارات الفنية الرائدة لهذا السيرك الأشهر من نوعه في كندا والعالم.

في هذا الوقت، يُطلق نورمان لاتوريل مسيرته الإفرادية منتجا ومصمما عروض "الأساطير المدهشة" Les Legendes Fantastiques التي قُدمت في الهواء الطلق في مواسم الصيف في مدينة درامندفيل في جنوب مدينة مونتريال لأكثر من عقد كامل.

بعد أساطيره المستوحاة من القصص الشعبية في مقاطعة كيبيك ذات الغالبية الناطقة بالفرنسية، حلّق الفنان الفذ نورمان لاتوريل بعيدا في عروض الفروسية التي جال بها في أرجاء المسكونة. عروض "فرتيغو" التي قدّمها أول مرّة في العام 2003 في مدينة شاوينيغان مسقط رأس رئيس الوزراء الكندي السابق جان كريتيان الذي آمن بموهبة ابن كيبيك. لتكرّس بعد حين تحت اسم  "أوديسيو" وتستقرَّ أخيرا بإسم "كافاليا". كرّست هذه العروض غير المسبوقة، التي تجمع بين فنون السيرك الحديثة وعالم الخيول الساحر نورمان لاتوريل في عالم الابتكار الفني المُبدع المُحدث للدهشة. ومنذ ذلك الوقت يتابع ابن كيبيك الذائع الصيت على رأس مؤسسة Cavalia للإنتاج الفني في التحديث والابتكار وتحقيق النجاح الباهر والإقبال الجماهيري الشعبي.

يُفتتن الأطفال من كل الأعمار بالمشاهد التي تحاكي أحلامهم وخيالهم خلال زيارة مدينة إيلومي الميلادية/Illumi.com

مدينة إيلومي الميلادية الليلية المضيئة

لم يكتف الفنان الكندي المخضرم بهذا القدر من الابتكار والإبداع بل راح يفتش عن فضاءات جديدة لاحتضان أحلامه التي لا يبدو أنه استنفذها أو أفرغها كلها في واقع حسي ملموس يُبهر ويسحر ويفتن الناظر إليه.

"إيلومي" أو مدينة الصوت والضوء الليلية غير المسبوقة في كندا وأميركا الشمالية، ILLUMIهي أحدث ابتكارات نورمان لاتوريل وتتمركز خلال فترة عيدي الميلاد ورأس السنة في مدينة لافال شمال مونتريال للعام الثاني على التوالي بنجاح منقطع النظير على الرغم من جائحة فيروس كورونا المستجد.

خلال هذه الفترة من العام، يحتار الكنديون في اختيار الهدية المناسبة لأحبائهم خصوصا أنها أكثر الفترات التي تشهد قوة شرائية عند المستهلك. ويتطلع الأهل خصوصا  لعروض فنية وثقافية وموسيقية قد تستهوي أطفالهم وتوّفر لهم أجواء البهجة والسحر وتدخل الفرح والدفء والسلام والعطاء إلى قلوبهم خصوصا أن عيد الميلاد برمز إلى كل هذه القيم التي يعتّز بها أبناء بلاد القيقب.

ديناصورات وجمال وغزلان وأبقار وخنازير وفيلة وعناكب وطيور البطريق ودواجن شتى تصادفها على طرقات مدينة إيلومي/الموقع الالكتروني لإيلومي

إيلومي 2020 بحلّة جديدة

لكل من يفتش عن هذه الأجواء، لا زالت الفرصة سانحة لاصطحاب أفراد العائلة كبارا وصغارا إلى مدينة السحر والخيال الليلية "إيلومي" التي تمدد فتح أبوابها للزائرين نظرا للإقبال الكبير ولأول مرة لغاية نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2021. 

خصوصا أن الكنديين بأمس الحاجة إلى كسر الحجر والعزلة والجمود الذي تفرضه عليهم القيود الاحترازية بسبب الجائحة. وقد يوّفر عالم إيلومي لأهل كندا وسيلة للانعتاق عن واقعهم الحاضر في زمن كورونا والتواصل مع العوالم الرحبة الجميلة.

هذه السنة ضاعفت مدينة إيلومي مساحتها ثلاثة مرات أكثر من العام الماضي وأضافت إليها محطات ولوحات جديدة. هذا وبلغ إجمالي عدد اللمبات المضيئة 20 مليونا وبلغ عدد المجسمات فيها أكثر من 30 ألفا.

حبور وبهجة وارتماء كلّي في عالم طفولي ملؤه الجمال والانبهار

كنت أحسب أنني تجاوزت دهشة الطفلة في داخلي بمظاهر البهجة والحبور وعالم الأميرات الخيالي الساحر وكنت أحسب أن بعد "عالم ديزني" لن يسحرني عالم آخر.

ولكن وجدت أنني مخطئة ما أن بدأت زيارتي مطلع هذا الأسبوع وعند حلول المساء، وراء مقود سيارتي، وطبعا كان لدي خيار الزيارة مشيا على الأقدام، إلى مدينة الضوء والصوت إيلومي المقابلة لاوتستراد 15 في مدينة لافال. 

أعلّق أولا على التدابير التي تواكب زيارتك للموقع ما أن تصل إلى حين أن تغادر، فكلها تجري وفق احترام كلّي للقيود الوقائية الصحية المرعية الإجراء في مقاطعة كيبيك وخصوصا التباعد الجسدي. كل شيء منّظم ومدروس، للمشاة طريقهم كما للسيارات دروبها وفي الطريق يمكن ركن السيارة لالتقاط الصور أو شراء المأكل والمشرب. كل ذلك بانسجام وتناغم وانتظام كلي الى درجة تشعر كأنك وحدك الذي يجوب ساحات المدينة الليلية ويستمتع بدروبها المُسّخرة لخدمة الجمال والفرح والدفء وكل مظاهر عيد الميلاد الذي تحتفل به كندا والعالم المسيحي الغربي كل عام في 25 كانون الأول/ديسمبر وتحتفل به الطوائف المسيحية الأرمنية والقبطية في السادس من كانون الثاني/يناير.

"مدينة الأضواء" الميلادية في لافال تمتد على مسافة 3 كلم وتسمح لزوارها بالافتتان بالمجّسمات المضيئة/CAVALIA

مرّ تطوافي على مدى ساعة كاملة على محطات إيلومي البالغ عددها 18 كلمح البصر وكنت أقول في نفسي يا ليتني لا انتهي من التجوال على دروب هذا المكان الخيالي مسترسلة في حلم طفولي جميل.

مهما حاولت التوصيف فإنني لن أقدر على إيصال الشعور الذي ينتابك وأنت تشاهد وتسمع أصوات الموسيقى والمؤثرات الصوتية في المكان الذي يتخطى العقل والخيال، ويُترك فيه الاستمتاع الكلي للحواس كلها. 

لوحة "خيول كافاليا" تحية لعرض الفروسية السباق الذي وقعه الفنان الكندي الفذ نورمان لاتوريل/Illumi.com

كم وقفت استمع إلى صهيل الجواد الأبيض وأشاهده يرمح بين رذاذ المطر في لوحة افتراضية استثنائية تمهّد لمرورك وعبورك إلى لوحة "خيول كافاليا" وقد خصص لها مكان شاسع وسط إيلومي وتخطى فيها عدد الخيول المجسمة الـ 200. وسط هذا المكان تختلج روحك مشاعر جميلة تعيد إلى ذهنك كل التفاصيل التي عشتها مع عروض كافاليا الاستثنائية خصوصا على وقع الموسيقى الأصلية لعرض كافاليا التي ترافق كل من يعبر طريق "خيول كافاليا" الذهبي الساحر في مدينة إيلومي.

وفي عودة إلى المحطة الأولى في مسار الـ 3 كلم، تستقبلك "الغابة الساحرة"، اللوحة الأولى في "إيلومي". ما أن تدخلها حتى يبدأ التناغم بين الأضواء والموسيقى وتجول عيناك يمينا ويسارا لتلحق الضوء والصوت في مشهد استثنائي ساحر للحيوانات وبينها الجِمال والأعشاب والورود والأشجار والزهور التي تحتشد في هذه الغابة الساحرة ويُخيّل إليك أنها تتراقص وتتمايل على وقع النغمات والنوتات الموسيقية. الغابة الساحرة اختار لها صناعها من كوكبة الفنانين الكنديين المشاركين في إعداد وإخراج "إيلومي" مقطوعة "الدانوب الأزرق"، موسيقى الفالس التي تشيع الطمأنينة والحبور للمؤلف الموسيقي يوهان شتراوس الابن (1866).

تتغيّر الموسيقى وتتعاقب اللوحات وعناوينها المختلفة، وعددها 18 هذه السنة، في مسار هذه المدينة الساحرة الممتد على مسافة 3 كلم. وفي كل لوحة عالم جديد وعنوان مبتكر وفي كل محطة موسيقى مختلفة وموجة أثيرية إذاعية أخرى على الراديو داخل السيارة للاستمتاع المطلق بلعبة الضوء والصوت التي ترافقك لنهاية التطواف.

يتوسط المكان شعار إيلومي وغاية وجوده ورمزيته، شجرة الميلاد العملاقة التي يمكن رؤيتها من مسافة بعيدة، تخفت أضواؤها طورا وتضيء أطوارا بألوان وأشكال شتى مشيعة جوا من الفرح والدفء.

يوازي ارتفاع الشجرة، وهو 47 مترا، حجم تمثال الحرية النيويوركي. وتتشكل مثل المنارة وسط مدينة إيلومي التي تعتبر "أكبر حدث ضوئي على هذا الكوكب".

لزيارة مدينة الصوت والضوء إيلومي إليكم هذا الرابط:

من "حديقة العجائب" إلى "عالم الثلوج" ثم "بيت الاقزام" و"القطب اللامتناهي" و"تونال الألوان" و"البولفار المجنون" والاسطبل الساحر" و"ساحة الكاروسيل" التي تفتنك، إلى ما هنالك من محطات فريدة لا تتكرر تحدث بك جملة من مشاعر البهجة والسرور والاسترسال في الفضاءات الرحبة الفسيحة. ولا تدهشك اللوحات ومحتوياتها فحسب بل تفتن أيضا وتطرب لسماع شتى أنواع الموسيقى من موسيقى رقصة الجيغ التقليدية التراثية Gique في مقاطعة كيبيك إلى الموسيقى الافريقية والموسيقى الأميركية اللاتينية المصحوبة بدفء الشمس والأجواء الاحتفالية الصاخبة. 

أمّ مدينة إيلومي العام الماضي أكثر من نصف مليون زائر، أما في نسخة إيلومي الثانية هذه السنة التي راعت التدابير الوقائية الصحية بسبب الجائحة، فتقول السيدة جاني آلار المسؤولة الإعلامية في مكتب العلاقات العامة الذي يدير الحملة الترويجية لإيلومي ويتواصل مع الإعلاميين في مونتريال "Roy & Turner Communications"، بأن  أكثر من 000 400 زائر أمّوا مدينة إيلومي حتى تاريخ كتابة هذه السطور ويُتوقع نفاذ كل بطاقات الدخول لشهر كانون الثاني/يناير 2021. علما أنه تم التمديد لإيلومي حتى 31 يناير 2021 نظرا إلى الإقبال الكثيف على حجز وشراء بطاقات الدخول.

تجدر الإشارة إلى أن غالبية البطاقات يتم شراؤها عبر الموقع الالكتروني لإيلومي على العنوان مع التذكير أنه يمكن زيارة المدينة مشيا على الأقدام أو داخل سيارتك:

ILLUMI.COM

 (المصدر: راديو كندا الدولي، Roy & Turner Communications)

روابط ذات صلّة:

نورمان لاتوريل يتابع في إحداث الدهشة والإبهار

مهرجان “إيلّومي” يضيء ليالي مدينة لافال

مدينة الأضواء Illumi أعادت فتح أبوابها للمشاة في اختراق للتدابير الوقائية

فئة:ثقافة وفنون
كلمات مفتاحية:، ، ، ، ، ، ، ، ،

هل لاحظتم وجود خطاّ ما؟ انقر هنا!

لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.