هي سابقةٌ من نوعها لكنها لم تسترعِ انتباه الكثيرين، كتبت مراسلة صحيفة "لو دوفوار" في البرلمان الفدرالي هيلين بوزيتي عن عضوة مجلس العموم سلمى زاهد.
فسلمى زاهد أصبحت في 21 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 أوّل امرأة كندية تُنتخب محجبةً إلى جمعيةٍ تشريعية، إن على المستوى الفدرالي أو على مستوى المقاطعات.
فقد خاضت سلمى زاهد معركتها الانتخابية للاحتفاظ بمقعد دائرة "وسط سكاربوروه" (Scarborough Centre) في مجلس العموم وهي مرتدية حجاب الرأس الإسلامي، وفازت بمقعد هذه الدائرة الواقعة في تورونتو الكبرى حاصدةً 55,3% من أصوات المقترعين بعد فوزها به في الانتخابات السابقة في تشرين الأول (أكتوبر) 2015 بـ50,5% من الأصوات، ولم تكن محجبةً آنذاك، وبزيادة نحو ثلاثة آلاف صوت في المرة الثانية، وتحت راية الحزب الليبرالي الكندي (PLC – LPC) بقيادة رئيس الحكومة الفدرالية جوستان ترودو في كلتا المرّتيْن.

سلمى زاهد تقرع باب أحد سكان دائرة "وسط سكاربوروه" (Scarborough Centre) خلال حملتها الانتخابية في صيف 2015، ولم تكن آنذاك ترتدي الحجاب (John Badcock CBC)
لكن ما الذي تغيّر بالنسبة لسلمى زاهد بين انتخابات 2015 وانتخابات 2019؟
في أوائل عام 2018 تم تشخيص زاهد باللمفومة اللاهودجكيِنية (Non-Hodgkin Lymphoma)، وهي سرطان ينشأ في الجهاز اللمفاوي. فخضعت عضوة مجلس العموم للعلاج الكيميائي الضروري لمن هم في حالتها، وهذا ما أفقدها شعرها البني الكثيف.
"كان بإمكاني وضع شعر مستعار، ولكن كان الخيار خياري، فاخترتُ وضع الحجاب"، تقول زاهد لمراسلة "لو دوفوار" الصادرة في مونتريال بالفرنسية.
وسرعان ما اتخذ الحجاب، الذي كانت وظيفته عملية في البداية، بُعداً روحياً بنظر زاهد. "بدأتُ ارتديه بسبب فقداني شعري، ثم أصبحتُ أكثر ارتياحاً معه"، تؤكّد زاهد، لدرجة أنها قرّرت مواصلة ارتدائه بعد أن أبلغها الطبيب أنها شفيت من السرطان.
"عندما تجدين نفسك في وضع حياة أو موت تفكّرين بكثير من الأشياء"، تضيف زاهد. ففي البداية كان طببيها يخشى أن تكون مصابةً بسرطان الرحم من الدرجة الرابعة، ولو صحّ ذلك لما كان لها على الأرجح أمل بالنجاة.

"قرأتُ آيات من القرآن الكريم لتمنحني القوة"، تقول سلمى زاهد عن فترة إصابتها بالسرطان (الصورة بترخيص من الحبيب مهني / ويكيميديا كومنز)
"أنا إنسانة مؤمنة، لكن ربّما لم أكن في السابق على هذا القدر من الإيمان"، تقول زاهد، "لكن هذه التأملات تجعلنا نتقرّب (من إيماننا). عندما نكون في وضعٍ من هذا القبيل نفعل أيّ شيء يجعلنا أكثر قوة أو أكثر إيجابية. وقرأتُ آيات من القرآن الكريم لتمنحني القوة".
عند عودتها من فترة النقاهة وقفت سلمى زاهد في مجلس العموم في 31 أيار (مايو) 2018 لتعلن أمام زملائها النواب "أتمنى رمضانَ مبارَكاً لجميع مسلمي كندا والعالم أجمع الذين يحيون شهر رمضان المقدّس. إنها مناسبة لنتأمل في معاني التعاطف والانضباط والرأفة والإحسان".
وكانت تلك المرة الأولى التي تتناول فيها امرأة محجبة الكلام في جمعية تشريعية في كندا، إن على المستوى الفدرالي أو على مستوى المقاطعات.

جلسة لمجلس العموم الكندي في أوتاوا (Adrian Wyld / CP)
وخلال الحملة الانتخابية الأخيرة، التي انتهت باحتفاظها بمقعدها النيابي وبنتائج أفضل حتى من المرة السابقة، سمعت زاهد تعليقات سلبية على حجابها. "هناك ربما شخصان أو ثلاثة قالوا لي إنهم لن يصوتوا مطلقاً لشخص يرتدي حجاب رأس"، تتذكّر السياسية الليبرالية التي تؤكد على ثقتها بالناخبين الذين "يدركون أنني سلمى زاهد نفسها، أوَضعتُ الحجاب أو لم أضعه".
وزاهد مولودة في بريطانيا حيث كان والدها الضابط برتبة بريغادير في الجيش الباكستاني مُعيَّناً، وترعرعت في كنف العائلة في باكستان وتابعت دراستها الجامعية في باكستان وبريطانيا قبل أن تهاجر إلى كندا مع زوجها عام 1999.

جانب من فرع جامعة تورونتو في سكاربوروه (Wikipedia / U of T Scarborough / loozrboy)
ولمن يرى في حجابها رمز قهر واضطهاد للمرأة المسلمة تقول زاهد "أنا لا أرتديه تحت تأثير أيٍّ كان، لا بتأثير من زوجي ولا أبنائي ولا أشقائي. يعتقد الناس أنّ الآباء أو الأزواج أو الأبناء أو الأشقاء هم ربما من يقولون للنساء في منازلهم ماذا عليهن أن يفعلن. أنا البنت الكبرى في عائلتنا. لديّ شقيقان أصغر منّي سنّاً. (...) لم أُعامَل على الإطلاق بشكل مختلف. حتى شقيقاي يقولان لغاية اليوم إنّي كنتُ الولد المفضَّل لأبي"، مضيفةً "نشأتُ في عائلة ليبرالية جداً، وكانت لأبي أحلامٌ كبيرة فيما يتعلق بي، وكانت لي دوماً حرية اتخاذ قراراتي".
ولكن هل من الممكن ألّا تكون نساء أُخريات محظوظاتٍ مثل زاهد وأُجبِرنَ بالتالي على ارتداء الحجاب؟ تتجنّب سلمى زاهد الإجابة على السؤال بشكل مباشر، فتشير إلى أنّ فتيات كثيرات في دائرتها الانتخابية، "وسط سكاربوروه" حيث يشكل المسلمون أكثر من 10% من إجمالي السكان، يرتدين الحجاب فيما لا تضعه أمهاتهنّ. "إنّه خيارهنّ"، تقول زاهد التي ترى نفسها نموذجاً لأولئك المسلمات.
لكنّ زاهد تعيد التأكيد على تفكيرها الليبرالي قائلةً "سأدافع دوماً عن النساء والفتيات اللواتي يُرِدن ارتداء الحجاب، لكن لا أريد أن تكون أيةُ واحدةٍ منهنّ مجبرةً على ارتدائه. سأدافع بالشكل نفسه عن اللواتي لا يُردنَ وضعه. أعتقد بشكلٍ راسخ أنّ القرار في هذا الأمر يجب أن يعود للمرأة"، مضيفةً أنه لا يحق للحكومة ولا للعائلة أن تقول للمرأة ماذا بإمكانها أن ترتدي أو ألّا ترتديه.
روابط ذات صلة:
حكم حجاب المرأة المسلمة (من موقع "السبيل" الإسلامي)
في يومه العالمي - الحجاب رمز ديني أم حرية شخصية؟ (من موقع الإذاعة العامة الألمانية "دويتشه فيله")
ملاحظة: راديو كندا الدولي غير مسؤول عن محتويات الروابط الخارجية
لأسباب خارجة عن إرادتنا ، ولفترة غير محددة ، أُغلقت خانة التعليقات. وتظل شبكاتنا الاجتماعية مفتوحة لتعليقاتكم.