باركرفيل: الصينيّون وحمّى الذهب

شارع في مدينة باركرفيل
شارع في مدينة باركرفيل

باركرفيل مدينة تاريخيّة صغيرة تقع في وسط شرق مقاطعة بريتيش كولومبيا. ورغم نّها غير معروفة،  إلاّ أنّها شكّلت الاندفاعة نحو حمّى الذهب في بداية التاريخ الكندي، وقد ترك المستكشفون الصينيّون بصماتهم فيها.

السيّدة لاو جياوهونغ عضو في مجلس إدارة براكرفيل منذ سنوات طويلة. وقد قامت بعمل تطوّعي مميّز للحفاظ على التحف والآثار التاريخيّة للوجود الصيني في هذه المدينة الغنيّة بالذهب، ومساهمات الصينيّين الاقتصاديّة والثقافيّة فيها.

وتتحدّث لاو جياوهونغ عن ماضي المدينة وحاضرها في مقابلة أجرتها معها لي جياو الصحفيّة في القسم الصيني في راديو كندا الدولي.

من أين يأتي اسم المدينة؟

تقع مدينة باركرفيل على بعد نحو من 750 كيلومترا إلى شمال شرق فانكوفر، وتبعد عنها مسافة ثماني ساعات ونصف بالسيّارة.

وتتيح الرحلة بالسيارة  للمسافر كما تقول لاو جياوهونغ، أن يستمتع بالمناظر الطبيعيّة الخلاّبة وأن يكتشف على طول الطريق مواقع تاريخيّة عديدة.

وبإمكان الذين لا يحبّون قيادة السيّارة لمسافات طويلة أن يتّجهوا بالطائرة نحو مدينة كينيل التي تقع على بعد 80 كيلومترا إلى غرب باركرفيل، وأن يستأجروا سيّارة، أو إن أرادوا، سيّارة أجرة بكلفة أعلى.

يمكن الاستماع للمقابلة باللغة الصينيّة

تقول السيّدة لاو إنّ مدينة باركرفيل أبصرت النور عام 1860، ويعود الفضل في ذلك لحمّى الذهب.

في تلك الحقبة، غزا نحو من 30 ألف منقّب وباحث عن الذهب من مختلف الأنحاء  وادي نهر فرايزر الذي تمّ العثور فيه على كميّات كبيرة من الذهب حسبما اعتقد الكثيرون.

ولكن، مع استنفاد كميّات الذهب، لم تدم حمّى الذهب طويلا وتلاشى حلم الحصول على هذا المعدن الثمين.

وانتقل الأثرياء و كلّ الذين توفّرت لديهم الوسائل للبحث عن مناجم جديدة. واختفت بكلّ بساطة أخبار الفقراء والذين خسروا مالهم في البحث عن الذهب.

في عام 1862، في منطقة كاريبو الجبليّة ( منطقة شاسعة في مقاطعة بريتيش كولومبيا) اكتسب المنقّب البريطاني وليام باركر (1817-1894 ) شهرة واسعة لأنّه استخرج كما قيل في حينه كيلوغرامين من الذهب في بضع ساعات.

ورغم المبالغة في هذا الادّعاء، إلاّ أنّ وليام باركر أصبح ثريّا بين ليلة وضحاها. و استقرّ العديد من المنقّبين عن الذهب في الموقع الذي حفره بين منبع النهر ومصبّه.

وفي غضون أشهر قليلة، توافق الجميع على إطلاق اسم عائلة المنقّب البريطاني على هذا الحقل الذهبي. وهكذا وُلدت مدينة باركرفيل.

يقال أيضا إنّ وليام باركر أقرض مبالغ ضخمة من المال لأصدقاء كانوا ينقبّون عن الذهب، ولكنّ الحظّ لم يحالفهم خلافا له.

ويُحكى أنّ باركر اضطرّ بسبب سخائه وأسلوب حياته الباهظ في فنادق مدينة فكتوريا ومقاهيها للعودة إلى التنقيب عن الذهب، ولكن دون جدوى. وتوفّي وهو مفلس ودُفن في فكتوريا في ناحية من المقبرة مخصّصة للفقراء.

حمّى الذهب، أعداد الصينيّين كانت كبيرة

سيّاح في باركرفيل
سيّاح في باركرفيل

تقول السيّدة لاو جياو هونغ إنّ مدينة باركرفيل اشتهرت بين ليلة وضحاها  واجتذبت السيّاح بأعداد كبيرة من كلّ حدب وصوب، بمن فيهم المنقّبون الصينيّون عن الذهب.

وكان الواصلون الجدد يأملون جميعا بالعثور على الذهب وتحقيق الثروات، او في الاندماج بطريقة أو بأخرى في الاقتصاد المحلّي لكسب العيش.

في عام 1863، وأمام وصول عدد كبير من الصينيّين، عمد تنظيم هونغ مين الاجتماعيّ  القديم إلى تأسيس فرع له في باركرفيل. وكانت مهمّة هذا التنظيم الماسوني الصيني تقضي بتقديم المساعدة الماديّة والروحيّة للجالية الصينيّة المحليّة.

وقد ابتسم الحظّ للعديد من الصينيّين الذين عثروا على الذهب وجمعوا الثروات في باركرفيل. لكنّ النتائج لم تكن بالأهميّة نفسها بالنسبة للجميع. فمن جهة، كان عدد التراخيص الممنوحة للتنقيب عن الذهب محدودا. ومن جهة أخرى، استنفد المنقّبون الذين تعاقبوا رواسب الذهب.

وقد وجد أوائل الواصلين ما أرادوه. وأمل الباقون في العثور على بعض غبار الذهب على أرض “الحانات”.

أوّل حيّ صيني في غرب اميركا الشماليّة

مطعم في باركرفيل
مطعم في باركرفيل

تقول السيّدة لاو جياوهونغ إنّ باركرفيل كانت مدينة الذهب الأكثر ازدهارا على الاطلاق.

وبلغ عدد سكّانها في الذروة 5600 نسمة، نصفهم صينيّون وصلوا إمّا من ولاية كاليفورنيا أو مباشرة من الصين.

في باركرفيل، كان الصينيّون يعملون كأفراد في مجالات الخدمات والدعم: في محلاّت البقالة والمطاعم ، وفي الفنادق و الموتيلات، وفي صالات الشاي ومحلاّت البضائع العامّة وفي التغليف والنقل. وكان البعض منهم يملكون مزارع لتربية المواشي و مؤسّسات زراعيّة صغيرة.

كانت شركة كوانغ لي kwong Lee &Co تملك مستودعات وشبكة من الفروع التابعة لها في العديد من مدن الذهب. وقد اشترت عام 1866 مجموعة من رخص تجارة التجزئة وتجارة الجملة.

واتاح لها ذلك شراء العديد من محلاّت البضائع العامّة وتزويدها بالأرزّ والشاي والسيجار، والكبريت والملابس والأغطية والأحذية… وحتّى ببعض المستحضرات الصيدلانيّة التي تحوي مواد مضادة للآلام والتشنّج.

أدّت حمّى الذهب في باركرفيل إلى ارتفاع الطلب على الأعمال وإلى تسارع النموّ السكّاني.

للاستماع إلى المقابلة باللغة الصينيّة

توضح السيّدة لاو أنّ عدد 3 آلاف صيني هو ضئيل في يومنا هذا، ولكنّه كان كبيرا في حينه. وكان  لباركرفيل حيّها الصيني، وهو أقدم حيّ صيني في غرب أميركا الشماليّة خصوصا من حيث المطاعم.

مع انتهاء موجة حمّى الذهب، عاد نحو من ربع الصينيّين إلى بلدهم. وغادر الباقون بأغلبيّتهم مدينة باركرفيل وتوزّعوا في أكثر من مكان.

باركرفيل متنزّه تاريخي

مرّ الزمن واستنفذ الذهب. وانتهى تاريخ استخراج الذهب في باركرفيل بعد عقود من الأمجاد. واصبحت هذه المدينة بقايا من حقبة ماضية.

ويعطي هذا المتنزّه التاريخي للسيّاح لمحة عن أجواء حمّى الذهب في القرن التاسع عشر تتيح لهم فهم تاريخها.

أصبحت باركرفيل خالية من السكّان و انتقل من كانوا فيها للإقامة في مدن مجاورة.

عبر المكان والزمان

مشهد من باركرفيل
مشهد من باركرفيل

قامت السيّدة لاو جياوهونغ، كونها عضو في مجلس إدارة باركرفيل، بزيارات عديدة لهذه المدينة. وأثارت كلّ زيارة مشاعر جيّاشة لديها.

في كلّ مرّة أزور المدينة، ينتابني شعور  قويّ بالانتماء ، كما لو أنّني في القرن التاسع عشر تقول السيّدة لاو جياوهونغ.

الأمر أشبه بفيلم. التاريخ محفوظ بصورة جيّدة. وما زالت لافتات الحيّ الصيني في مكانها، وكذلك المطاعم والمحلاّت التي كانت تعمل في تلك الفترة.  وبمجرّد رؤيتها، يتهيّأ للزائر أنّه في عالم الأعمال.

وتجد كذلك في باركرفيل، من بين ذكريات الحياة الثقافيّة التي رافقت حمّى الذهب، مسرح باركرفيل، وخشبة المسرح، وتجد في الصالة عمّال مناجم يشاهدون العرض…

وتتابع السيّدة لاو جياوهونغ فتقول إنّ تاريخ الصينيّين في باركرفيل على ارتباط وثيق بقصّة كلّ الباحثين عن الذهب. والصينيّون جزء لا يتجزّأ منهم. والمكان متنوّع ويزخر بالآثار الصينيّة و الأوروبيّة.

باختصار، عندما تصل إلى باركرفيل، تشعر وكأنّك تعتبر المكان والزمان.

موقع تاريخي

مسرح باركرفيل
مسرح باركرفيل

في عام 2007، صنّفت الحكومة الكنديّة مبنى تشي كونغ تونغ (جناح الماسونيّة الصينيّة) كمرفق تاريخي حسب قول السيّدة لاو. ويمثّل هذا المبنى الشعور بالانتماء بالنسبة للعمّال المهاجرين والتجار الصينيّين. وكان يستضيف حفلات و مناسبات تقليديّة، للحفاظ على أواصر التواصل بين الصين وصينيّي الشتات. وكان المبنى يُستخدم أيضا كمكان للاجتماع  للبحث في الأعمال التي تهمّ الجالية.

في عام 1868، احتفلت باركرفيل بالذكرى الأولى لدومينيون كندا، التسمية التي نادرا ما تُستخدم، والتي استُخدمت للمرّة الأولى خلال الكونفدراليّة عام 1867.

في عام 1880، وفي الذروة، بلغ عدد سكّان باركرفيل 5600 شخص، نصفهم من أصل صيني.

في عام 2008، حصل الحيّ الصيني في باركرفيل على صفة مكان تاريخي وطني في كندا، ممّا شكّل خطوة مهمّة بالنسبة لتاريخ الصينيّين في كندا.

“عضو متعدّد الثقافات” في باركرفيل

تشير السيّدة لاو جياوهونغ إلى أنّ مجلس إدارة باركرفيل في بريتيش كولومبيا، المسؤول عن إدارة هذه المدينة التاريخيّة، استحدث عام 2005 منصب “عضو متعدّد الثقافات”.  ويعكس ذلك الأهميّة التي تُعلَّق على تاريخ الكنديّين من أصل صيني.

آثار موروثة عن الأجداد

مشهد من الحياة السياحيّة في باركرفيل
مشهد من الحياة السياحيّة في باركرفيل

تمّ العثور على عدد كبير من التحف والقطع الأثريّة في أنقاض المباني الصينيّة القديمة في باركرفيل. وأظهرت كلّها أنّ 75 بالمئة من الصينيّين المقيمين في المدينة كانوا من منطقة جنوب نهر اليانغتسي، (الذي كان يُسمّى بالفرنسيّة النهر الأزرق) وهو نهر كبير في آسيا، والثالث من حيث الأهميّة في العالم.

وتضمّ مدينة باركرفيل كذلك مقبرة صينيّة. وفي السنوات القليلة الماضية، أطلقت منظّمات صينيّة حملة لجمع التبرّعات بغية تصليحها.

2018: سنة السياحة كندا-الصين

تذكّر السيّدة لاو جياوهونغ في الختام أنّ 2018 كانت السنة السياحيّة الصين- كندا، وأنّ مدينة باركرفيل هي بالتأكيد وجهة سياحيّة مشوّقة تنغي زيارتها.

يتيح المتنزّه الكبير بمرافقه الترفيهيّة الكثيرة الفرصة امام الزوّار للإفادة من أنشطة كثيرة في الهواء الطلق.

المدينة التاريخيّة ومتنزّه باركرفيل

ملخّص:

  •  المدينة والمتنزّه: 457 هكتارا
  • عدد الزوّار السنوي: من 50 ألفا إلى 60 ألف شخص
  • عدد القطع الأثريّة: أكثر من 200 ألف قطعة، من بينها 18500 تُحفة صينيّة
  • مبان تاريخيّة: 107 مبان
  •  أحداث كبرى يجري تنظيمها سنويّا: من 15 إلى 18 حدثا
  •  عدد المخيّمات: 161 مخيّما
  •  عدد أعضاء مجلس إدارة باركرفيل: 14 عضوا ورئيس شرف
  •  موظّفون بدوام كامل: 17 موظّفا
  •  موظّفون بدوام جزئي: 4 موظّفين
  •  موظّفون مؤقّتون: 11 موظّفا
  •  رخص تجاريّة: 15 رخصة
  •  مرشد سياحي محترف: 7 مرشدين
  •  مساهمة في الاقتصاد المحلّي: من 20 إلى 50 مليون دولار سنويّا
  •  مصاريف التشغيل السنويّة: من 3 إلى 3،5 ملايين دولار

للمزيد من المعلومات:

أنقروا على الرابط التالي:  barkerville.ca

اتّصلوا بالرقم المجاني: 18889943332

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *