تمتلك كندا نحوا من 48 ألف كيلومتر من الخطوط الحديدية. وتعّد شبكة القطارات في البلاد إحدى أكبر شبكات سكك الحديد في العالم.
وللمفارقة, فإن البضائع التي تجتاز البلاد في القطار تصل بسرعة أكبر من الركاب الذين يجتازون البلاد بوسيلة النقل ذاتها. وتلزم 72 ساعة ليجتاز قطار البضائع الستة آلاف كيلومتر التي تفصل بين هاليفاكس وفانكوفر, أي من شرق البلاد إلى غربها, بينما يلزم ثمانون ساعة ليجتاز قطار الركاب المسافة ذاتها.
هنا, السكك الحديدية هي أولا في خدمة البضائع ويأتي الركاب في الدرجة الثانية
في الوقت الحاضر, لم يعد ينعم قطار الركاب بالشعبية التي كان ينعم بها في الماضي. وقبل تطّور النقل الجوي والبرّي, أي حتى مطلع منتصف القرن الماضي, شكّل القطار الوسيلة الوحيدة للتنقل بسرعة وبأقل كلفة في البلاد.
تباطأ تطوّر سكة الحديد في كندا بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
فعلى سبيل المثال, بدأ الأميركيون اعتبارا من العام 1850 يعيشون تحولا بفضل القطارات. وبدأ توافد المهاجرين, الأوروبيين في شكل خاص, ليستقروا على طول ساحل المحيط الهادي حيث تشكّلت مدن جديدة استوطنها المهاجرون الجدد.
ورويدا رويدا بدأت القاطرة تأخذ مكان عربة الخيل لكي لا يقتصر السفر على بضعة كيلومترات في اليوم الواحد بل على عشرات ومئات الكيلومترات ليصبح كل شيء ممكنا!
ولن يصل التحوّل الحاصل في أميركا وأوروبا بفضل سكك الحديد إلى كندا إلا في العام 1870 ليتبوأ القطار سريعا الدور الأول في تشييد كندا وبنائها على الصورة التي نعرفها بها اليوم.
تكفي مشاهدة بناء الخط الحديدي العابر لكندا لتكون شاهدا على ولادة بلد بأكمله
عند تأسيس كندا في العام 1867, اشترطت بعض مقاطعات الشرق لكي تنضم إلى الكونفدرالية الكندية أن تقطع الحكومة المركزية عهدا ببناء سكة حديد بين المستعمرات في وقت عاجل.
وفي العام 1871, ساهم الوعد بتوسيع سكة الحديد باتجاه الغرب حتى ساحل المحيط الهادي في انضمام منطقة كبرى أخرى إلى الكونفدرالية الكندية وهي منطقة كولومبيا البريطانية. وكانت هذه المنطقة في ذلك الوقت مستعمرة بريطانية معزولة عن سائر أنحاء البلاد بفعل الجبال الشاهقة التي يستحيل اجتيازها.
إنها السكك الحديدية التي سمحت بالدفاع عن السيادة الكندية ضد الولايات المتحدة خلال السنوات الأولى لتأسيس كندا
يعتقد بعض المؤرخين أنه من دون القطار لم تكن كندا لتحتل المرتبة الثانية عالميا لناحية المساحة الجغرافية. وكان هذا المركز سيؤول إلى جارتها الولايات المتحدة لأن مناطق شاسعة واقعة في الغرب الكندي كان من الممكن أن تصير ولايات أميركية بدلا من مقاطعات كندية.
للقراءة
قصة سكة الحديد. الموسوعة الكندية
للمشاهدة
اجتياز كندا بالقطار (بالإنكليزية)
رسم قديم يظهر أول قطار في كندا, الدورشستر, في العام 1836 (كنديان ناشيونال
في هذا العام بدأ بناء أول سكة حديد في كندا لتنتهي أعمال البناء في العام التالي ولكن الحد الأقصى لهذه السكة الأولى هو خمسون كيلومترا.
وقد مولّت أعمال بناء هذه السكة الأولى عائلة ثرية من مونتريال هي عائلة مولسن التي تمتلك أحد أهم مصانع البيرة ( أو الجعة ), هذا الخط الحديدي سيسمح بنقل البضائع إلى نيويورك.
الدورشستر هو اسم القطار الباكورة وهو عبارة عن قاطرة من خشب مصنوعة في انكلترا تجّر عربة واحدة ويمكن أن تصل سرعتها إلى 48 كيلومترا في الساعة. خط سكة الحديد يتجه من جنوب مونتريال إلى مدينة سان جان دو ريشيليو الواقعة شمال الحدود الأميركية.
وفي مدينة سان جان يتم نقل حمولة القطار إلى سفن بخارية ستمخر عباب الأنهار لتصل إلى نهر هودسن ومن ثم إلى نيويورك.
نحو العام 1886, ستختار الشركة الأميركية بولمان بالاس كار, التي ابتكرت فكرة عربة النوم, ان توظف أميركيين من العرق الأسود في شكل خاص على متن قطاراتها على خط شيكاغو-مونتريال. وقد لاقت هذه المبادرة رواجا كبيرا واستحسانا من قبل الزبائن ليصبح هذا الأمر سريعا عنوانا تجاريا لهذه الشركة.
وستحذو شركات السكك الحديدية الكندية حذو الشركة الأميركية في توظيف العمال السود. هؤلاء اقتصرت أعمالهم أولا على نقل البضائع وتحميلها والإشراف على صعود الركاب ونزولهم من على متن القطار ليتطوّر فيما بعد عملهم الذي لم يعد يقتصر على وظيفة “الحمّال” أو العتّال بل شملت أعمالهم وظائف أخرى كالطهي وخدمة الركاب وأعمال التنظيف وغيرها…
يشهد عمل الحمّالين في كندا ظروفا صعبة وهم عرضة لمضايقات وهناك تقارير تتحدث عن تجاوزات متكررة من قبل إدارة مؤسسات سكك الحديد.
في العام 1918, تقدّم حمّالون سود يعملون في شركة السكك الحديدية الكندية ,كانديان نورثيرن رايلواي, بطلب للانضمام إلى التجّمع النقابي “الأخوّة الكندية لموظفي سكك الحديد”. ولكن هذا الأخير سيرفض طلب انضمام العمال السود بسبب انتمائهم العرقي. وبعد عام واحد سيتراجع هذا التجمع عن قراره بعدما وجهت إليه انتقادات حادة. وسيقبل التجمع بانضمام العمال السود إلى النقابة ولكنّه سينشئ فئتين من الموظفين: البيض والسود. وقد استمر العمل بهذه التفرقة التي حدّت من ترقية العمال السود حتى العام 1964.
خلال الأزمة الاقتصادية في العام 1930 من القرن الماضي, كان العديد من الناس في أميركا الشمالية عاطلين عن العمل. وفي كندا وصل معدّل البطالة إلى نحو 15 بالمائة.
وبهذا فإن العديد من الكنديين المتأثرين بهذه الأزمة رفضوا التسليم بالأمر الواقع وقرروا البحث عن عمل في الغرب الكندي أو حتى في الولايات المتحدة.
بماأنهم لا يملكون ثمن تذكرة القطار فإن بعضهم كان يستقل القطار خلسة مختبأ في المقصورات المخصصة لشحن البضائع
وكانوا يختبئون تارة داخل مقصورات القطار وطورا خارجها محاولين مغافلة مسؤولي التفتيش وجباة التذاكر على متن القطار. وفي كل الأحوال فإن سفر هؤلاء لم يكن على الإطلاق مريحا لا بل كان يشكّل خطرا كبيرا على حياتهم. وكان يتعّرض العديد من هؤلاء المسافرين لإصابات بجروح خطيرة وكان يلقى بعضهم حتفه جرّاء تصادم عربات القطار بعضها ببعض لدى فرملة طارئة وغير تدريجية مثلا أضطر سائق القطار إلى القيام بها وإلى ما هنالك من حوادث كان تؤدي إلى إصابات في الأرواح أو مقتل المسافرين غير الشرعيين.
كنت واحدا من مشردي القطارات ولا زلت أحلم بتلك المغامرات! أستطيع أن أشتم رائحة القطار, أن أشعر بتأرجح عرباته على قضبان الخط الحديدي وأن أسمع الأصوات التي تحدثها عجلاته, كل تلك الأجواء التي تأخذنا إلى الذكرى وإلى مشاهد جميلة تمر في خاطرنا خلال السفر الطويل…
على متن القطار يمكن للسائح أن يجتاز كندا باتباع رحلة تمتد طريقها على ستة آلاف كيلومتر على مدى ستة أيام وعلى ثلاث مراحل يتخللهما توقف لمرتين.
وإذا انطلقتم من مدينة فانكوفر المطلّة على الهادي فإنها الرحلة الأطول. هذه الرحلة تستغرق ثلاثة أيام ونصف أي خمسا وثمانين ساعة وتمضونها على متن قطار “الكنديان” .
يبلغ معدّل الركاب على متن القطار الذي يسافر عبر المقاطعات الكندية مئتي راكب. وتجرّ ثلاثة محركات نحوا من عشرين عربة بطول اجمالي يبلغ 600 متر. وتسود الإلفة بين رواد هذا القطار ويتبادلون التحية عند الانطلاق خصوصا أنهم سيمضون عدة أيام معا مستمتعين بجمال الجبال الصخرية الخلاب. فهؤلاء المسافرون ليسوا على عجلة من أمرهم وبنيتهم الاستمتاع بالمناظر الفريدة وبسحر أجواء هذا القطار.
هذا القطار يأخذكم إلى تورنتو على بعد 3350 كيلومترا شرقا بسرعة تتراوح بين 40 و50 كيلومتر بالساعة.
في الطريق هناك وقفتان سياحيتان لبضع ساعات, الأولى في بانف والثانية في وينيبيغ. تجتازون مناظر متعددة بينها سهول القمح الشاسعة في ساسكتشوان, منطقة البحيرات شمال أونتاريو ومانيتوبا وقبل كل هذه المناظر تأتي الجبال الصخرية الشاهقة في كولومبيا البريطانية وألبرتا, رحلة أخّاذة ترسخ صورها في الذاكرة.
.تبلغ تذكرة الرحلة من فانكوفر إلى تورنتو مع وجبة غذاء, ذهابا فقط, نحو 750 دولار أي ضعفي تذكرة الطائرة . و يتوازى سعر التذكرتين خارج المواسم السياحية
يضع قطار “الكنديان” في تصرف ركابه مقصورة بانورامية شاملة الرؤية كما هناك مقصورة تضم المطعم الذي يقدّم المأكل والمشرب للمسافرين.
وتوّفر عربات النوم في القطار الأسرّة بطابقين التي يمكن أن ينام عليها شخصان بارتياح تام. كل شيء متوفر داخل المقصورات بأحجام صغيرة: مقعدان, حمام, مناشف, مغسلة ومرآة تعلوها مع مَنفذ كهربائي , هناك أيضا مكان للأمتعة ونافذة كبيرة مع ستارة, خزائن صغيرة, شراشف, وسادات وغطاءات للسرير.
خلال الرحلة, تغّيرون الساعة كل يوم لتتزامن مع التوقيت المحلي للمنطقة التي تمرون بها ليصل إجمالي التغيير ثلاث ساعات هي الفرق بين توقيت فانكوفر وتوقيت تورنتو.
وتتنوع تسلية المسافرين بين مشاهدة أفلام في الليل وأوقات عزلة وتأمل في النهار يضاف إليها لحظات التواصل والنقاش والتعارف بين المسافرين الذين يأتون من كل حدب وصوب.
عند وصولك إلى المدينة الملكة تورنتو, يمكنك أن تتابع الرحلة حتى مرفأ هاليفاكس على الأطلسي وبالتالي يبقى لك أن تجتاز 1300 كيلومتر.
وعلى الراغبين في متابعة هذه المغامرة أن ينتقلوا إلى متن قطار “كوريدور” الذي تبلغ سرعته مئة كيلومتر في الساعة. ويصل هذا القطار إلى مدينة مونتريال بعد خمس ساعات على انطلاقه من تورنتو. يمضي المسافرون ليلة في هذه المدينة ليتابعوا في اليوم التالي الرحلة إلى هاليفاكس على متن قطار ثالث هو “أوشيان” الذي يوصل ركابه إلى المحطة الأخيرة بعد اثنتين وعشرين ساعة على انطلاقه من مونتريال.
للاكتشاف
للمشاهدة
يعّد خط سكك الحديد عبر كندا من الناحية التقنية أحد أكبر عجائب العالم الحديث على الرغم من مرور أكثر من مائة وأربعين عاما على بنائه.
وأبصرت هذه الخطوط الحديدية النور تدريجيا تنفيذا لعهد قطعه رئيس وزراء كندا جون أ. ماكدونالد لحظة تأسيس كندا. وكانت مقاطعة كولومبيا البريطانية في تلك الحقبة مستعمرة تابعة لبريطانيا وموجودة في غرب أميركا الشمالية ولكنها منقطعة عن باقي أجزاء هذه القارة بسبب الجبال الصخرية. لم تكن هناك طرق في هذه المنطقة وكانت تيارات المياه محفوفة بالأخطار وكان من الممكن اجتيازها فقط في فصل الصيف إما سيرا على الأقدام أو على ظهر البغال.
وبهذا فإن كولومبيا البريطانية شدّدت على شرط لدخولها في الكونفدرالية الكندية الجديدة وهو بناء خط سكك حديد وطني يجتاز الجبال. وقد تعّهدت حكومة ماكدونالد ببنائه في السنوات العشر المقبلة بعد حلول العام 1871.
ولم يتحقق الوعد قبل العام 1885 لأن الأشغال كانت صعبة في بعض المناطق.
كان يمكن لسكة حديد في الغرب الكندي أن تمرّ بسهول الولايات المتحدة الأميركية لتوفير العمل على المهندسين وتوفير الأموال على الحكومة. ولكن كندا كانت ترغب بسكة حديد كندية مائة بالمائة ومن البداية كان القرار بعدم استخدام الأراضي الأميركية مسألة استراتيجية وطنية كما بررّت الحكومة الكندية آنذاك, مما صعّب الأمور أكثر وجعل الجميع يبحث عن حلول.
فكيف يمكن تحقيق رغبة الحكومة الكندية علما أنه يجب اجتياز 1600 كيلومتر من الاراضي الوعرة في شرق كندا والمستنقعات في وسطها والجبال الصخرية في غربها.
وهكذا قرّر رئيس الوزراء وعدد من السياسيين إسناد عقود بناء فدرالية هامة لرجال أعمال من أصدقائهم. الأمر الذي سبب فضيحة سياسية في العام 1874 أدت إلى خروج حكومة المحافظين بزعامة سير جون ماكدونالد من السلطة.
ونتيجة لذلك, لحق ضرر كبير بمشروع سكة الحديد عبر كندا. وكانت أعمال بناء سكة الحديد تتراجع في بعض المناطق وتتوقف كليا في أخرى بسبب النقص في صندوق المال العام.
وسيعود جون ماكدونالد إلى السلطة في العام 1878 حيث يعتمد سياسة بناء قوية لسكة الحديد تبدأ من الجزء الذي سيجتاز الجبال في الغرب.
الأشغال كثيرة وقد بدأ استقدام العمال من الصين برواتب زهيدة تتراوح بين 75 سنتا إلى دولار وخمسة وعشرين سنتا في اليوم الوحد وهو أجر يتقاضى ضعفه العامل الأبيض.
في الواقع فإن هؤلاء العمال هم شبه عبيد يشترون غذاءهم من رب عملهم الذي يوفر لهم أيضا الدواء بأسعار باهظة.
ولم يكن باستطاعة العامل الصيني ادخار الأموال حتى بعد مرور ثلاثة شهور على بدئه العمل. وساد الاعتقاد عند البعض منهم بأنه لن يمكنه العودة إطلاقا إلى بلاده. هذا وكان يتم استخدام العامل الصيني في أشغال تشكّل خطرا على حياته ولم تكن عائلة العامل الصيني الذي يقتل بسبب هذه الأشغال تتقاضى أي بدل أو تعويض.
السابع من نوفمبر 1885 حيث يقام حفل في الجبال الصخرية لمناسبة وضع أخر سكة حديدية (المكتبة والأرشيف الوطني)
يقع الجزء الأكثر خطورة من بناء سكة الحديد على طول ممر روجرز. وتتميز هذه المنطقة بالمنحدرات الحادة على شكل زاوية والوديان الضيقة والعميقة والأنهار الجليدية والممرات التي لا نهاية لها والانهيارات الجليدية وغزارة الثلوج والأمطار.
ومع ذلك, فهو المكان الوحيد على مساحة لا تتعدى العشرات من الكيلومترات حيث يمكن عبور جبال الروكي التي لا يمكن اختراقها خلاف ذلك. لكي يمكن فيما بعد عبور القطارات في كندا من محيط إلى آخر.
انتهت الأعمال في هذا الجزء الصغير بعد عام شاق وقعت فيه العديد من الحوادث. ولأنه لا يتطابق مع قوانين البناء فإن هذا الجزء من سكة الحديد سيشهد حوادث قاتلة.
في الواقع, أضطر المهندسون إلى بناء جزء بطول 7 كلم يظهر انحدارا حادا جدا يساوي أربعة أضعاف الحد الأقصى للمنحدرات التي يسمح بها في بناء السكك الحديدية في تلك الحقبة.
وقد تم تركيب نظام كبح تلقائي على طول الانحدار وحددت السرعة القصوى في هذا الجزء من سكة الحديد بعشرة كيلومترات في الساعة.
وعلى الرغم من كل هذه التدابير فإن عدة حوادث قاتلة وقعت في السنوات الخمس والعشرين الأولى لافتتاح هذا الممر. مما حمل الحكومة الكندية على تطوير نفق بطول ثمانية كيلومترات تحت ممر روجرز بتكاليف باهظة.
وسيتحوّل هذا المكان الذي كان يستحيل ولوجه قبل ذلك إلى محطة سياحية مع نهاية القرن التاسع عشر. وقد تم بناء فندق في الجبال, سمي ” البيت الجليدي” الذي لاقى شهرة واسعة. وتتالى بعد ذلك بناء الفنادق التي أصبحت اليوم ذات شهرة عالمية, نذكر على سبيل المثال فندق بانف سبرينغ وقصر لاك لويس.
إنه التاريخ حيث أصبح في المستطاع اجتياز كل كندا بالقطار للمرة الأولى.
وسيغادر قطار باسيفيك أكسبرس, وهو أول قطار ركاب عابر لقارة أميركا الشمالية, مونتريال في السادس والعشرين من حزيران / يونيو 1886 ليصل إلى مرفأ مودي قرب فانكوفر في الرابع من تموز / يوليو.
ويذكر أنه في العام الأول لافتتاح السكة الحديدية في كندا توقف العمل لعدة شهور. وذلك بسبب تساقط الثلوج على السكة في الجزء الذي يجتاز جبال الروكي. وقد تم التوصل فيما بعد إلى بناء شبكة للوقاية من الانهيارات الثلجية بتكلفة باهظة جدا.
وعلى الرغم من كل هذه التدابير فإن انهيارا ثلجيا وقع في الرابع من آذار / مارس 1910 عند عبور القطار ممر روجرز مما أدى إلى مقتل ثمانية وخمسين عاملا في سكك الحديد الذين كانوا يقومون بتنظيف الخط الحديدي بعد سقوط أول دفعة من الثلوج.
وقد كرّس اليوم ممر روجرز مكانا تاريخيا وطنيا وذلك للدور الذي لعبه في ولادة الوطن الكندي وهو على غرار سكة الحديد عبر أنحاء كندا رمز للوحدة الكندية.
Img-173
الخامس من مارس 1910, موظفون في مؤسسة السكك الحديدية يحاولون استخراج جثة زميل لهم قتل بفعل انهيار ثلجي (متحف ريفلستوك)
إذا كان هدفك الأول الاستمتاع بسحر الجبال الشاهقة في الغرب الكندي فإنك لست بحاجة إلى شراء تذكرة على متن القطار الذي يعبر سكة الترانس-كنديان أي السكة التي تعبر البلاد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي.
ولهذه الزيارة السياحية هناك القطار السياحي الشهير الروكي مونتينيير الذي يجوب بك في جبال الروكي على مدى يومين ويوفر لك الراحة التامة والمشاهد الأروع.
ينطلق هذا القطار في رحلته السياحية من مدينة فانكوفر ويجتاز أولا وادي فريزر ويعرّج على مدينة كاملوبس حيث يمضي السياح ليلتهم الأولى. وفي اليوم التالي, يختار السائح إما رحلة في الجبل نحو جاسبر في الشمال أو نحو كالغيري في الجنوب.
على متن قطار الروكي مونتنيير (بالإنكليزية)
قطار الشمال الصغير هو أكثر قطارات الركاب والبضائع شهرة في كندا لناحية الخدمات التي يقدّمها. ومنذ العام 1873 وعلى مدى أكثر من مائة عام عرّف هذا القطار المهاجرين القادمين من أوروبا والكنديين الفرنسيين من كيبيك على الغابات والمناطق الجبلية الموجودة في شمال مونتريال. فهذا القطار الذي ينطلق من مونتريال يتوجه إلى قلب الشمال وينهي رحلته بعد مئتي كيلومتر في منطقة جبل لورييه الريفية النائية.
في الأصل, قطار الشمال الصغير هو إنجاز لكاهن كاثوليكي طموح هو الأب أنطوان لابيل. وكان هذا الأخير في العام 1870 كاهن رعية قرية سان-جيروم الصغيرة على بعد نحو خمسين كيلومترا شمال مونتريال. وكان هذا الكاهن يرغب, لأسباب وطنية بحتة, وقف نزوح العمال الكنديين الفرنسيين إلى إنكلترا والولايات المتحدة أو إلى الغرب الكندي.
وكان يحلم الأب الطموح بعودة الأراضي شمال كندا بين مدينتي مونتريال ووينيبيغ إلى أحضان الفرنكوفونية والكاثوليكية.
وسيتوصل الكاهن الموهوب بالخطابة إلى تحقيق أول مرحلة في مشروعه في شمال غرب مونتريال محفزا الحكومة الكندية على تمويل أعمال بناء سكة خطوط حديدية في المنطقة التي كانت تسمى في تلك الحقبة “البلاد البعيدة المرتفعة”.
وفي تشرين الأول / أوكتوبر من العام 1876 عند تدشين أول جزء من السكة الحديدية مونتريال-سان-جيروم تم إطلاق اسم الكاهن الجليل أنطوان لابيل على أحد محركات قطار الشمال الصغير. وبعد وقت قصير, سمح هذا القطار بإنشاء قرى فرنكوفونية و سياحية على طول الخط الحديدي. ونتيجة لهذا الإنجاز استحق الكاهن الجليل بجدارة لقب “ملك الشمال”.
وفي العام 1981 ينتهي احتكار قطار الشمال الصغير كوسيلة نقل وحيدة في المنطقة لتحّل مكانه اليوم على خط سكة الحديد حلبة للدراجات بطول مائتي كيلومتر.
للاكتشاف
الرحلة-الحلم على متن القطار الأسطورة
للمشاهدة
هذا في الوقت الذي لا يشكّل فيه القطار بحد ذاته في الواقع على الأرض جزءا من الحياة اليومية للكنديين.
وتستمر بالطبع البضائع والسلع بالسفر عبر أنحاء كندا على متن القطار إلا أن الكندي لم يعد يعتمد القطار كثيرا كوسيلة نقل حيوية وهو أحجم نوعا ما عن اعتماده في أسفاره وهناك من الكنديين من لم يركب قطارا في حياته قط وليست لديه النية في ركوبه.
تستقبل المطارات الكندية 159 مليون مسافر سنويا بينما لا تقّل القطارات الكندية سوى 4 ملايين مسافر.
في كندا, فيا راي هي المؤسسة العامة للخطوط الحديدية المختصة بنقل الركاب. وتقوم فيا راي عبر كندا بنحو خمسمائة رحلة اسبوعيا وهي تملك 73 قاطرة و 426عربة أو مقصورة ( 2016). ولعّل هذه الأرقام المتواضعة تعود إلى أنه ومنذ 70عاما تستثمر الحكومة الكندية بشكّل مكثف في شبكات الطرق البرية والجوية.
تتحرّك القطارات في كندا ببطء وسرعتها غير منتظمة. ولا تمتلك مؤسسة فيا راي سوى 223 كيلومترا من أصل 12500 ( 3%) كيلومتر من السكك الحديدية التي تسير عليها قطاراتها وتعود الأولية في السير على الخطوط الحديدة الكندية لقطارات البضائع والسلع.
كذلك تمتلك هذه القطارات القرار في ما يتعلق بالأوقات وعدد المرات التي يحق فيها لقطارات الركاب أن تسير على سكة الحديد.
شركات سكك الحديد الكندية العملاقة لشحن البضائع
تشحن اليوم في كندا سبعون بالمائة من البضائع على متن القطارات. وكان المعدّل في العام 2002 ستين بالمائة فقط. وبهذا فإن هذا القطاع يشهد نموا مطردا منذ الثمانينيات.
وهناك مؤسستان كنديتان عملاقتان للخطوط الحديدية مختصتان بشحن البضائع والسلع الأولى هي الوطنية الكندية, كنديان ناشيونال, أما الثانية فتغطي في شكل خاص الغرب الكندي وهي كنديان باسيفيك.
الكنديان ناشيونال هي مؤسسة السكك الحديدية الوحيدة العابرة لكل أنحاء البلاد. وهي إحدى أكبر سبع مؤسسات من هذا النوع في قارة أميركا الشمالية
وتشكّل قطارات الكنديان ناشيونال جزءا من المشهد اليومي في حياة الكنديين وذلك منذ نحو 155 عاما وتكتسب هذه القطارات شهرة أيضا في الولايات المتحدة الأميركية خصوصا بعد توسيع شبكتها بإدماج عدة مؤسسات سكك حديد أميركية. وتسير قطارات “السي أن” على شبكة خطوط حديدية عابرة لقارة أميركا الشمالية بطول 28200 كيلومتر تغطي ثماني مقاطعات كندية وخمس عشرة ولاية أميركية.
وتعد مؤسسة السي أن مؤسسة النقل الحديدي الوحيدة في أميركا الشمالية التي تجتاز القارة من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها وتقدّم خدماتها لمرافئ الأطلسي والهادي وخليج المكسيك.
في هذا العام أتمت أكبر مؤسسة سكك حديد في كندا “السي أن” أعمال بناء أشهر برج وطني في كندا في وسط مدينة تورنتو الذي كرّس برج سي أن.
ويبلغ علو هذا البرج 553 مترا وفيه 147 طابقا وكان البرج الأعلى في العالم قبل بناء برج دبي مؤخرا.
وعلى علو 447 مترا يوجد السكاي بود وهو منفذ مراقبة صغير موجود مائة متر أعلى من طابق المراقبة الرئيسي للبرج. وحتى العام 2008 وهو تاريخ افتتاح المركز العالمي للأموال في شانغهاي كان السكاي بود أعلى مركز مراقبة مفتوح للجمهور في العالم.
وقد صنّفت المؤسسة الأميركية للهندسة المدنيّة برج السي أن على أنه واحد من عجائب العالم الحديث.
رسم قطار سريع لشركة بومباردييه في الصين (مؤسسة بومباردييه للنقل)
في قطاع السكك الحديدية تذكرنا كندا بالقول المأثور عن الإسكافي الحافي وهي لا تمتلك قطارات كبيرة سريعة وحديثة على طراز قطارات اليابان أو أوروبا هذا على الرغم من أن الشركة السبّاقة في صنع تجهيزات الخطوط الحديدية هي شركة كندية ونقصد شركة بومباردييه بفرعها المختص بتجهيزات سكك الحديد, التي تصنّع أفضل التجهيزات لشبكات الخطوط الحديدية في العالم.
وقد صنّعت شركة بومباردييه أكبر القطارات الحديثة والسريعة في العالم وقطارات الأنفاق.
يشعر رواد قطار الأنفاق في لندن بالأمان بفضل الخبرة التقنية الكندية في هذا المجال. وصنّعت شركة بومباردييه أجزاء أو كل التجهيزات لمترو الأنفاق في نيويورك ولندن ومونتريال وتورنتو.
تعّد كندا الدولة الوحيدة بين مجموعة الدول الثماني التي لا تملك بعد القطار الفائق السرعة تي جي في.
لقد تم طرح عدة سناريوهات في ما يتعلّق بممرات كيبيك-ويندسور ومونتريال-تورنتو ومونتريال-نيويورك. وقد أضيفت عدة مقترحات منذ عدة سنوات متعلّقة بوصول وشيك لقطارات التي جي في إلى ممرات مونتريال-بوسطن وكالغيري-ادمنتون وفانكوفر-سياتل!
تخيّل أن تبلغ سرعة القطار 260 كيلومترا في الساعة الواحدة وأنك تصل بظرف ساعتين ونصف فقط إلى تورنتو من مونتريال! في الوقت الحالي يلزمك خمس ساعات بالسيارة أو القطار لتقطع المسافة ذاتها. وحتى على متن الطائرة وفي حال أدخلنا في الاعتبار وقت الانتظار قبل إقلاع الطائرة فإن الرحلة من مونتريال إلى تورنتو تستغرق ثلاث ساعات.
تشير عدة دراسات إلى أن تكاليف بناء تي جي في في ممر كيبيك-ويندسور تتراوح بين عشرين وثلاثين مليار دولار.
وتتردد الحكومة الكندية في تمويل هذا المشروع خشية أن يجر تكاليف باهظة جدا لم تكن بالحسبان.
يؤكد الرافضون لمشروع التي جي في على أن الكثافة السكانية في كندا لا تقاس مع الكثافة السكانية في الصين أو في الولايات المتحدة. ويعتبر هؤلاء بأن الأموال موجودة لإنتاج القطارات الفائقة السرعة ويمكن لهذه الأخيرة أن تكون مفيدة ولكن من المؤكد أنها لن تكون مربحة.
وهذا بخلاف الرأي العام الكندي الذي يحبذ امتلاك كندا لقطار التي جي في. وحسب استطلاعات حديثة للراي, يدعم ثمانون بالمائة من الكنديين بناء هذا القطار في كندا.
والرأي الرافض والرأي الموافق في سجال ونقاش مستمر منذ أكثر من خمسون عاما
للمشاهدة
رحلة مونتريال في 30 دقيقة على متن كبسولة ترنسبود
للمطالعة
سي أن القطار التوربو- ريير أورلي فيلم
يشهد قطاع سكك الحديد نجاحا باهرا في بعض ضواحي المدن الكبرى ونذكر على سبيل المثال قطار غو في منطقة تورنتو. كذلك فإن القطارات في مونتريال
(2017) تشهد نسبة إقبال عالية من قبل أهل المدينة. وتشهد قطارات وفي ضواحي تورنتو تورنتو سبعة و اريعون مليون رحلة سنويا (2018) في حين تشهد قطارات مونتريال أكثر من واجد و عشرون مليون رحلة.
ويأتي ذلك نتيجة لمشاكل السير والازدحام الخانق الذي تشهده المدينتان. وبسبب الإقبال الكبير على القطار, لا يجد نصف ركاب الواحد والثلاثين قطارا الذين يغادرون الضواحي باتجاه مونتريال مكانا للجلوس خلال ساعات الذروة.
في ظرف عشر سنوات, توصلت مدينتا تورنتو ومونتريال إلى التقدّم إلى المركز الخامس والسادس بين المدن التي يستخدم سكانها قطار الضواحي في أميركا الشمالية. وتتقدم المدينتان الكنديتان مدن نيويورك وشيكاغو وفيلادلفيا وبوسطن.
للاكتشاف
في كندا, تمتلك مدينتان فقط خطوطا لقطار الأنفاق وهما تورنتو التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين ونصف نسمة ومونتريال الذي يصل تعداد سكانها إلى ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة.
يعّد مترو تورنتو الأكثر قدما. وقد افتتحت لجنة ترانزيت تورنتو الخط الأول لمترو الأنفاق في العام 1954. وتشتمل شبكة مترو تورنتو على أربعة خطوط وفيها خمسة وسبعون محطة ممتدة على تسعة وستين كيلومترا. ويستقل مترو تورنتو يوميا نحو من مليون شخص.
.أبصر مترو مونتريال النور في العام 1966 وهو الأكبر والأكثر ازدحاما في البلاد.
زاد استخدام مترو مونتريال بأكثر من الضعف منذ افتتاحه: حيث ارتفع عدد الركاب المنقولين من 136 مليون في عام 1967 إلى 367 مليون بعد نصف قرن.
قطار الفضاء في فانكوفر
في العام 1986, أفتتح المترو الجوي في ثالث أكبر مدينة كندية فانكوفر في الغرب الكندي. السكاي ترين أو قطار السماء هو أطول مترو من نوعه في العالم وأكثرها تطورا. وهذا المترو يشبه مترو الأنفاق ويتميز عنه بأنه مبني فوق الأرض عوض أن يكون تحتها.
المترو الجوي مثالي لمدينة فانكوفر خصوصا أن تربتها السفلى عرضة لانهيارات أرضية متكررة. وتجدر الإشارة إلى أنه تم بناء المدينة على طول المحيط الهادئ على رقعة رقيقة من الأرض حيث النشاط الزلزالي هام جدا.
تشتمل شبكة قطار السماء على تسعة وستين كيلومترا من الخطوط الجوية ما يجعله المترو التلقائي الأطول في العالم. فيه ثلاث وثلاثون محطة موزعة على ثلاثة خطوط ويستقلّه نحو من 400 ألف نسمة يوميا.
على صعيد آخر, يمرّ مترو السكاي على أطول جسر مخصص للمترو الجوي, السكاي بريدج, الذي يجتاز نهر فريزر الكبير.
منذ افتتاحه منذ أكثر من 35 عامًا ، لم يشهد هذا المترو المستقبلي أي انحراف أو تصادم.
يستخدم قطار السكاي تقنية “العبور السريع المتقدّم” التي وضعتها شركة بومباردييه. وبفضل هذه التقنية تسير القطارات بشكل أوتوماتيكي تلقائي كليا. ومنذ افتتاح قطار السكاي منذ نحو ثلاثين عاما لم يشهد هذا المترو السبّاق أي خروج عن القضبان الحديد أو تصادم. ويقتصر دور العنصر البشري على متن هذا المترو على مراقبة التذاكر ونقل القطار إلى محطة التصليح في حال وقوع مشكلة تقنية.
صنّعت شركة بومباردييه قطارا نفاثا فائق السرعة غير كهربائي لسوق أميركيا الشمالية وهو الأول من نوعه في تاريخ السكك الحديدية. ويستطيع هذا القطار أن يسير بسرعة تصل إلى مائتين واربعين كيلومترا في الساعة.
وزن القاطرة في القطار النفاث هو 20 بالمائة أقل من وزن القاطرة في القطار الكلاسيكي ويعّد القطار النفّاث أقل تلوثا وأقل ضجيجا أيضا.
يضاهي القطار النفّاث القطارات الكهربائية بسرعتها من دون الحاجة إلى بناء خطوط كهربائية بكلفة باهظة. يذكر أن القطار النفّاث هو أبطأ من التي جي في ولكن يمكن له أن يسلك خطوطا حديدية موجودة أصلا في أميركا الشمالية.
في مطلع العام ألفين قامت شركة بومباردييه بالترويج لقطارها النفّاث لدى شركات السكك الحديدية مثل أمتراك في الولايات المتحدة وفيا رايل في كندا ولكن كان ذلك دون جدوى.
كذلك فشلت بومباردييه في محاولاتها لدى الحكومة الكندية لاعتماد القطار النفّاث عوض القطارات التي تسلك ممر كيبيك-ويندسور الأكثر ازدحاما.